ما خلفية استمرار الدعم الروسي للاسد؟

في الأسابيع الأخيرة أيضا، حين بدت نهاية نظام الاسد أقرب من أي وقت مضى، تواصل روسيا دعمه على نحو ثابت وغير متنازل. هذا الدعم الروسي، الى جانب الصين، والذي يبث روح حياة في نظام الأسد المهتز، يتواصل منذ بداية الثورة في روسيا، قبل نحو سنة ونصف، وذلك في ظل الاحتكاك مع الاسرة الدولية، ودون مراعاة الضرر الذي يلحق بعلاقاتها مع الغرب ومع دول المنطقة، العاملة على اسقاط نظام الاسد. في المرحلة الحالية أيضا ورغم الضغوط على روسيا، لا يبدو أن في نيتها التراجع عن هذا الدعم.
يصف هذا المقال الاعتبارات التي تقبع خلف سياسة روسيا هذه. هل فضلا عن الادعاء بانها تحمي نظاما مستقرا (الذي يبقى الى أكثر مما كان متوقعا) ودودا لها، مقابل البديل الاسلامي بكل آثاره، تختبىء اعتبارات اخرى، ليست جميعها ترتبط بنظام الاسد مباشرة؟ هاكم، بعضا من الاعتبارات الروسية التي تحرك هذا السلوك في موضوع سوريا:
تشخيص سوريا، الى جانب ايران، كموضع سيطرة أخير في منطقة الشرق الاوسط. هذه كواحدة من نتائج الربيع العربي، والتي في اثنائها وجد الروس أنفسهم يدحرون عن المنطقة عقب الاحتكاك المتعاظم مع الساحة السنية المتعززة القوة، التي بفهم روسيا، تتمتع بتعاون مع الغرب. سقوط سوريا، وليس مستبعدا ايران، لاحقا، يخلق تواصلا من الانظمة المعادية لروسيا في كل المنطقة التي بين شمال افريقيا والصين.
بحمايتها لنظام الاسد، تؤكد روسيا حرصها على مبدأ عدم التدخل الخارجي وعلى حق الشعب السوري في أن يقرر وحده نظامه المستقبلي. وبالفعل، مثلما تبدو الامور في هذه اللحظة، من غير المتوقع تدخل عسكري أجنبي في سوريا، سواء بسبب الموقف الروسي، أم بسبب عجز الغرب، أم بسبب حصانة النظام العسكرية. ويترك الامر المنطقة في أيدي اللاعبين المحليين وبقدر محدود، الخارجيين ايضا، ويمنح روسيا حرية عمل معينة سواء لمساعدة النظام أم لتهيئة البدائل المرغوب فيها من جانبها.
ولكن المشكلة الروسية المركزية في منظومة علاقاتها الخارجية، اضافة الى مواضيع الشرق الاوسط، هي المواجهة مع الغرب، سواء على المستوى العالمي ام على طول حدودها، حيث تعمل على احتواء التحديات من جانب الولايات المتحدة والناتو.
والى ذلك، يمكن الاشارة الى تطورات خطيرة تتعلق بالمناطق الحيوية للامن القومي الروسي في القوقاز، حيث يتحدى الغرب روسيا من خلال الاعمال لفصل جورجيا واذربيجان عن منطقة النفوذ الروسي.
في هذا النشاط تشارك ايضا تركيا في ظل استفزا موازٍ لروسيا وايران. فضلا عن ذلك، تلوح تطورات مقلقة لروسيا في منطقة آسيا الوسطى أيضا، حيث انسحبت هذه الايام اوزباكستان من اتفاق الدفاع الاقليمي بقيادة روسية، الخطوة التي معناها ارتباطها بالغرب، بينما دول اخرى في المنطقة تفكر في السير في أعقابها. وبالطبع، من ناحية روسيا لا شك أن هذا نشاط امريكي تآمري داخل منطقة المصالح الروسية الحيوية هذه. وذلك اضافة الى سلسلة خطوات أمريكية متحدية اخرى، بينها، الازمة المتواصلة حول نصب صواريخ اعتراض مضادة للصواريخ الباليستية (BMD) للولايات المتحدة، بينما روسيا، تدير صراعا عنيدا من أجل تعطيل هذه الخطة. ويتضح من كل هذا بان عمل روسيا في الموضوع السوري، وكذا أيضا في مسألة الصراع ضد البرنامج النووي الايراني، تبدو كعمل موجه لاستغلالهما كورقة مساومة لتحقيق أهدافها في مفاوضاتها مع الغرب. في الاشهر الاخيرة، ولا سيما منذ عودة بوتين الى كرسي الرئاسة، يجري حوار روسي امريكي عنيد وعديد الازمات. عمليا يرفض الامريكيون قائمة المطالب الروسية، عقب الدفع الى الامام بمواظبة لمخططاتهم الاستراتيجية، المذكورة في قسم منها أعلاه. في افضل الاحوال يعرض على روسيا، لقاء التعاون مع الشرق الاوسط، مقابلا غير كاف، برأيها. على أي حال، في هذه المواضيع لم تصدر بعد الكلمة الاخيرة.
إضافة الى ذلك، والى جانب الاعتبارات الروسية العالمية المذكورة، كانت سوريا ولا تزال حلقة حيوية على نحو خاص في جملة المصالح الروسية، أكثر بكثير من مسألة بقاء النظام. في هذا الواقع، عندما يبدو أن الرمل في ساعة الاسد آخذ في النفاد، فان روسيا تجري حوارا موازيا مع كل الاطراف المشاركة، وعلى رأسها مع الغرب، مع اللاعبين الاقليميين ومع محافل المعارضة السورية.
نطاق النقاش الاساس من ناحية روسيا هو تحقيق تفاهم يسمح لها بالحفاظ على مكانتها في سوريا حتى بعد انصراف الاسد، واقل من ذلك فانها لن تتعاون مع الخطى لتغيير الحكم في سوريا. في الواقع الناشىء، معقول أنه ليس في نية روسيا سحب تواجدها في سوريا وهي ستتطلع الى أن تبقى لاعبا فاعلا في كل انعطافة ممكنة، قد تنشأ في سوريا. فضلا عن ذلك، يتبين أنه في غياب حل مقبول على روسيا، فان هذه لا تمتنع عن اي سيناريو، حتى ولا أكثرها خطورة.
وفي اطار ذلك تذكر امكانيات تفكيك سوريا الى عناصر متعددة، مع أو بدون الاسد، وعلى رأس ذلك فقدان القدرة العامة على الحكم في سوريا وتدهورها الى الفوضى المطلقة. لا يدور الحديث بالضرورة عن المبادرة الى سيناريو الفوضى او تفضيله، بل عن التطلع نحو استغلاله كرافعة للضغط، وذلك لان الروسي يشخصون فضائل نسبية في الصيد في الماء العكرة، يسمح لهم بتحدي الغرب. وهكذا يأملون بتحقيق اهدافهم، التي تتضمن الاستجابة الى المطالب آنفة الذكر في جبهات أخرى وكذا ضمان مكانة تأثير روسيا على التسويات المستقبلية في سوريا.
يشار الى انه في أثناء الايام الاخيرة حشدت وحدات من الاسطول الروسي أمام شواطىء سوريا. وحتى لو لم يكن واضحا تماما بعد هدفها، فيحتمل أن تكون هذه القوة تأتي بالفعل كتعبير عن سيناريو فقدان القدرة على الحكم، كقوة ردع من التدخل الخارجي، لحماية وانقاذ جهات في الحكم السوري والعناصر الروسية الامنية والاقليمية، المرابطة في سوريا. في القوة البحرية الروسية، التي تجمعت على مدى عدة اسابيع من ثلاث ساحات بحرية مختلفة، يوجد نحو 14 وسيلة ابحار، بما في ذلك سفن حربية وسفن للتموين وكذا سفن انزال مع أكثر من ألف مقاتل انزال. ويذكر أيضا أن نحو عشرين وسيلة ابحار، بينها حاملة طائرات وغواصات نووية، زارت المنطقة في أثناء السنة الماضية.
وتجدر الاشارة الى أنه في المواضيع موضع البحث لا يوجد اجماع مطلق في روسيا نفسها. من بين الاراء التي تطلق في وسائل الاعلام هناك من يدعو الى مواصلة السياسة الحالية كرافعة أساس لاستغلال الوضع في صالح المصالح الروسية، فيما أن المسألة الايرانية ايضا تندرج بالطبع في هذا الموضوع. بالمقابل، هناك من يحذر من التورط وفقدان الوجه لروسيا في ضوء التدهور نحو عنف لا يمكن ضبطه في سوريا.
من غير المستبعد ان تخلق هذه التطورات معضلة لاسرائيل أيضا، التي تقف جانبا، حاليا دون اي فعل، ولكن بقلق متعاظم بشأن سيناريوهات المستقبل، والتي لا يكون بوسعها فيها ان تمتنع عن الرد على جزء من السيناريوهات المتشددة (مثل موضوع السلاح الكيماوي). يبدو أنه في هذه السياقات ايضا يجب الاخذ بالحسبان دور روسيا كجهة نافذة في الشؤون السورية في المستقبل أيضا. 
 

السابق
حكمة الفلتان
التالي
الجيش بين نارين