ماذا لو أصبح سماحة في قبضة المحكمة الدولية؟

إذا كان "حزب الله" مطمئنّاً إلى أنّ أيّاً من عناصره وكوادره لن تعثر عليه المحكمة الدولية "ولو بعد 300 عام"، فكم سيكون مؤذياً احتمال وقوع "كادر" في حجم ميشال سماحة في قبضة المحكمة؟
لم يكن لا سماحة ولا الذين يُشغِّلونه في الأمن والسياسة يتوقّعون أن يقع كالعصفور في يد فرع المعلومات. ومبدئياً، هم كانوا على صواب في اطمئنانهم… إذ كان من المستحيلات توقُّع أن يدخل أحد منزل سماحة ومكتبه. وبالتأكيد هناك رفاق كثيرون لسماحة يتمتّعون بالطمأنينة عينها ولا يخشَون أن تداهمهم دورية أمنية، في دولة يضبطون أنفاسها حتى الاختناق. لكن ما لم يكن محسوباً هو العمل الاستثنائي و"الصادِم" الذي قام به ميلاد كفوري. فهذا الرجل كان موضع ثقة اللواء علي مملوك.

ولم يتوقّع الدماغ الأمني السوري المتمرِّس أن يقع في فخّ مواطن لبناني عادي، عندما طلب من سماحة أن يسلّمه العبوات الناسفة، مرفقةً بتعليمات الاستعمال و170 ألف دولار.

لذلك، لا يشبه القبض على سماحة أيّ نكسة أخرى للنظام وحلفائه لا في لبنان ولا حتى في الداخل السوري. ففي لبنان، لم يتكبّد هذا النظام خسائر حقيقية، باستثناء الانسحاب العسكري في العام 2005. وأمّا في سوريا، فالتداعيات التي سيتركها ملف سماحة على مصير النظام ستكون موازية للضربة التي تلقّاها قادة الأمن قبل أسابيع. وانكشاف دور النظام في إثارة الفتنة في دولة مجاورة هي لبنان، بالصوت والصورة والأسماء والوقائع، سيكون مبرّراً ملموساً كي يتدخَّل المجتمع الدولي ضدّ هذا النظام.

ولا تستطيع روسيا مواجهة هذا التدخّل، انطلاقاً من دعمها المحكمة الدولية والتزامها مواثيق الأمم المتحدة، ولو كانت تتذرّع بصعوبة التدخّل تحت العنوان الداخلي السوري، أي بين النظام والثوار.

وليس في الأمر مبالغة: ملف سماحة قد يكون خطِراً على النظام أكثر من كل التحدّيات التي يواجهها اليوم، لأنّه يشكّل إدانة مباشرة وصريحة له أمام المجتمع الدولي، ويقوده إلى الهاوية. ومن هنا الرعب الذي يصيب "رفاق سماحة" من انتقال الملف إلى المحكمة الدولية. ومن هنا، "استِقْتالُهم" لخنق الملف في المهد، ومهما كلّف ذلك من أثمان.
المحكمة ليست متفرِّجة

لكنّ المحكمة مهتمّة بملف سماحة. ويتابع مكتب المدعي العام نورمان فاريل تفاصيل التحقيق مباشرة مع المعنيين في لبنان لتبيان احتمالات الترابط بين الملف والملفات التي تُعنى بها المحكمة. وفي هذا الإطار، سيكون مثيراً ثبوت التشابه في العبوات اللاصقة في هذا الملف وملفات الشهيدين جورج حاوي وسمير قصير والزميلة مي شدياق. وهو سيقود ربما إلى الاستنتاج أنّ هناك يداً واحدة تستهدف فريقاً واحداً بأسلوب وأدوات واحدة. وهذا ما سيفرض عناصر جديدة يأخذها المدعي العام في الاعتبار، مع اقتراب صدور القرار الاتّهامي الجديد أو تعديل القرار الاتّهامي الأول.

وإذا أثبت التحقيق مع سماحة، والوثائق المضبوطة، ترابطاً مع ملفات أمنية سابقة، فستكون المحكمة مضطرة إلى الطلب من الحكومة اللبنانية إحالة الملف إليها. وهذا يعني أنّ سماحة قد يكون أوّل متّهم يقع في قبضة المحكمة. وهو سيكون متمايزاً عن المتهمين الآخرين بأنّه دخل قفص العدالة قبل تكوين ملفّه القضائي، فيما يتوارى المتّهمون الذين جرى توجيه الاتّهام إليهم نتيجة التحقيق في ملفاتهم المفتوحة.

واستتباعاً، سيقود ملف سماحة مباشرة إلى مسؤولين سوريين معروفين بالأسماء. وقد ادّعى القاضي سامي صادر على أبرزهم. وهذا العنصر سيعيد وجهة الاتّهام في المحكمة الدولية إلى سوريا، بعدما جَنح في المرحلة السابقة نحو عناصر من "حزب الله" فقط. وتُذكّر مصادر حقوقية بـ"فضيحة ديتليف ميليس" رئيس لجنة التحقيق الدولية في العام 2005. فهذا الرجل تقدّم إلى الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان بتقرير عن جريمة 14 شباط يتضمّن أسماء قادة أمنيين سوريين رفيعي المستوى، لكنّ أنان حذف هذه الأسماء لأنّه لم يكن يريد نشرها في تلك الفترة. وبعض هؤلاء قضى في انفجار مبنى الأمن القومي.

إذا ضمّت المحكمة ملف سماحة إلى اختصاصها، فسيكون صعباً على سوريا وحلفائها أن يتصدّوا لها، لأنّ سماحة سيكون "شاهداً مَلِكاً" في لاهاي. وسيكون على النظام أن يواجه استحقاق المحكمة في أصعب ظروفه الداخلية. وفي التوازي، سيؤذيه كثيراً انفراط سُبحة المنظومات التي يحميها في لبنان.

الخلاصة: يتوعّد نظام الرئيس الأسد بزلزال يضرب الشرق الأوسط بكامله إذا تعرّض للخطر. وعندما يكون ملف سماحة مصدر خطر حقيقياً للنظام، يمكن عندئذ التأكيد أنّ هناك مَن يُحضّر لزلزال يضرب البلد، إذا لم يستطع إسقاط الملف أو تعطيله أو تجميده في دائرة المراوحة. وما التوتر المُبالَغ فيه، والذي يعصف بالشارع في الأيام الأخيرة، سوى رسالة تتعلّق بملف سماحة قبل أي شيء آخر… والبقية تأتي.  

السابق
لوبي في أميركا
التالي
التأمّل يخفّف الشّعور بالوحدة