كي لا يتطوّر الوعي: دعهم ينفّسون احتقانهم

لماذا ينسى اللبنانيون تاريخهم؟ ولماذا يعتبرون ان عليهم ان يكونوا جزءاً من الفتنة في سوريا وأن يساهموا في امتدادها إلى لبنان؟ ألا يتذكر اللبنانيون ان الحرب الأهلية التي انتهت باتفاق الطائف حدثت في أيام تهدئة عربية وتعاون بين الأنظمة، ولولا التدخل العربي والدولي لما انتهت تلك الحرب الأهلية؟

ألا يفهم اللبنانيون ان ما يحدث في أرجاء الوطن العربي هو ثورة شاملة ضد الامبريالية والاستبداد، وان هذه الثورة تواجهها الامبريالية وتسعى لتحويلها، في هذا البلد العربي أو ذاك إلى حرب أهلية؟
عندما ينتصر المجتمع على الحاكم الظالم ويسقط نظامه بسرعة فإن الأمر يسمى ثورة، وعندما يطول أمد القتل والتدمير المتبادل فإن الأمر يتحول إلى فتنة أو حرب أهلية. ما من نظام في الدنيا إلا وله اتباع يدافعون عنه، ويدافعون من خلاله عن مواقعهم ومصالحهم. وما من بلد في الدنيا يخلو من التنوع الاثني والطائفي واللغوي. تحدث الحرب الأهلية، الفتنة، أو لا تحدث، تبعاً لنضوج الحياة السياسية بما يعني ذلك من استعداد للتسوية والحوار والنقاش المفتوح.

وما من نظام حكم إلا وهو ظالم ومستغِّل. الثورة الشعبية دائماً محببة. ما ان تنتهي بسرعة، حتى ينتهي معها السرور، إذ تصعد إلى السلطة فئة أخرى تحكم وتكون أقل أو أكثر ظلماً. الأهم في كل ثورة ليس هو ما يحدث على صعيد السلطة بل هو ما يحدث على صعيد المجتمع. بالثورة ينتقل المجتمع من مستوى إلى مستوى آخر. يصير المجتمع مفتوحاً بدرجة أكبر. يتوسع نطاق الحوار والنقاش. وما كان ممنوعاً ومحرماً يصبح متداولاً. يعلو مستوى النقاش والحوار، يزداد الوعي تبلوراً. تصير السلطة أقل هيبة، ويصير الناس أقل خوفاً. التحرر هو عدم القبول بالسلطة.

في لبنان، احتمال الثورة معدوم. المجتمع صادرته الطوائف. الشعب مشلول الإرادة. الطبقة التي تشل إرادته هي التي تفوز بالانتخابات النيابية. كل ثورة يمكن ان تتحول إلى فتنة أو حرب أهلية. تسرّ الطبقة الحاكمة بذلك، لذلك هي تتصرف دائماً برعونة وعدم مسؤولية. تسخر دائماً من شعبها وتُجري كل انتخابات نيابية في موعدها. لا أحد منهم يأبه لما يقوله الشعب.

لدينا دولة. الحدود معروفة تقريباً. كلنا يعرف العلم والنشيد الوطني. لدى الطبقة الرفيعة نظام. النظام يجبي الضرائب والرسوم، ويعيد توزيعها على الأغنياء. هؤلاء يسيطرون على أملاك الدولة تحت عنوان الخصخصة. تعلَّم الجميع من الثمانينيات ان الدولة مدير سيّئ، أو يجب ان تكون مديراً سيئاً كي يدخل القطاع الخاص ويضع يده من دون ان يتكلف بالاستثمار.

تتفاقم البطالة والهجرة. إذن يجب ان ينفِّس الشعب عن الاحتقان. فلتكن هناك تظاهرات وإضرابات مطلبية، ولتعبر طوائف عن «سلفيتها» وأخرى عن عشائريتها، وأخرى عن زيارات رعوية، وليعش الجميع في خوف ورعب من المستقبل. المهم هو التنفيس. والجميع يعرف ان سلفية منطقة ما تبخرت فجأة، وأن زيارة رعوية حدثت في منطقة كانت متفجرة قبل أيام، وان العشائر يمكن ان تستجيب. ألم تحدث انتخابات نيابية شرسة في الكورة منذ أسابيع دون ضربة كف واحدة؟ كل شيء فالت؛ كل شيء مضبوط. كل شيء يمكن ان يتعرض للانفجار في أية لحظة.

تحدث الثورة في الأقطار العربية الأخرى. في بعضها يسقط النظام. في بعضها يتحول الأمر إلى فتنة. في بعضها تلبى المطالب، في بعضها يستعاض عن تلبية المطالب بدفع المال للناس. أما في لبنان، الذي يعيش حالة قلق دائمة فالأمل هو غالباً ان يحول الوعي دون فتنة تقضي على الأخضر واليابس.  

السابق
من الدولة الشكلية إلى انحلال الدولة
التالي
خاطفو الزهيري يطلبون فدية بمليون دولار مقابل إطلاقه