توازن الخوف العامل الأساسي للاستقرار

قضية تورط الوزير السابق ميشال سماحة في التخطيط لزرع تفجيرات في الشمال مع رئيس الأمن القومي السوري علي مملوك وعقيد سوري، محور متابعة لدى الديبلوماسية الدولية، حيث تعتقد مصادر ديبلوماسية غربية بارزة، انه إذا ما ثبتت المعلومات من خلال القضاء فإن القضية خطرة.
لكن ما يريح المجتمع الدولي، وفقاً للمصادر، هو ردّ الفعل من السلطات الرسمية اللبنانية لا سيما من رئيسي الجمهورية ميشال سليمان ومجلس الوزراء نجيب ميقاتي، وهي المرة الأولى في تاريخ السلوك السوري تجاه لبنان وسط شكوك في حالات عديدة، يقف المسؤولون اللبنانيون الكبار موقفاً واضحاً، الأمر الذي يعتبر ايجابياً حيال سيادة لبنان واستقلاله، من جهة، وحيال الدعم الرسمي للسلطات الأمنية والقضائية والعدلية.

أما بالنسبة إلى الإجراءات الديبلوماسية حيال سوريا، تؤكد المصادر، ان المهم هو ان التحقيق يكمل عمله والمراجع العدلية.
وانه في ضوء المحاكمة، تقوم السلطات التنفيذية باتخاذ القرارات المناسبة. لكن بحسب البروتوكول الديبلوماسي يجب على الأقل، ان تستدعي السلطات اللبنانية السفير السوري علي عبد الكريم علي لشرح موقف بلاده من القضية. أي انه بالإمكان القيام بخطوات قبل اتخاذ قرار قطع العلاقات الديبلوماسية، فعندما اعتقلت إيران الباحثة الفرنسية كلوتيل دورايس استدعت فرنسا السفير الإيراني وطلبت منه شرح بلاده لهذه المسألة. وحتى الآن، وعلى الرغم من الإجراءات الدولية ضد إيران لا يزال لدى البلدين علاقات ديبلوماسية، كما انه عندما منعت إسرائيل دخول ديبلوماسيين فرنسيين إلى غزة، استدعت باريس السفير الإسرائيلي وأبلغته احتجاجها ورفضها وطلبت شرح موقف بلاده من الموضوع.

وتوقفت أوساط ديبلوماسية أخرى عند الخلاصات السياسية لتكليف النظام السوري سماحة، مشيرة إلى الحاجة السورية للتوتير في لبنان، الذي يرمي إلى وظيفتين هما: أولاً، تخفيف التركيز الدولي على ما يجري في الداخل السوري بعدما بات الوضع السوري أولوية دولية. ثم التفتيش عن مرجعيات دولية تبدأ حواراً مع دمشق حول الوضع اللبناني وليس الوضع السوري. والنظام كان تعوّد كلما كان هناك تفجير في الوضع اللبناني، ان يتم الحديث والاتصال معه من أجل توفير الاستقرار وإعادة الوضع اللبناني إلى ما كان. والآن يعاني من عزلة دولية يريد اختراقها.

أما الثاني، فهو ان النظام يسعى إلى التوتير عبر أشخاص وليس قوى، وأشخاص من الدرجتين الثانية والثالثة، أي التوتير ليس عبر الأطراف الحليفة للنظام بشكل أساسي، وعلى رأسهم القيادة الشيعية، التي تستطيع ان تقوم بالتوتير دون ان تتورط إذا ما أرادت ذلك. لكن هذه القوى ترفض التوتير، وتعتقد ان المواجهة الداخلية غير محسومة النتائج، وانها بالتالي لم تستجب لرغبة النظام، لأن أي توتير سيأخذ البلد إلى صراع مذهبي سنّي شيعي حاد. والشيعة ليس لديهم رغبة بامتحان أنفسهم في الصراع. لذلك كان مسعى التوتير عبر أشخاص وليس عبر قيادات أو قوى كبيرة.

وتفيد الأوساط ان الاستقرار الذي ينعم به لبنان هو بسبب "توازن الخوف" الموجود بين مسألتين، الأولى ان "حزب الله " لا يريد التفجير في وقت لديه نعمة التحكم بالحكومة، وهو قلق حيال الصراع المذهبي. والثانية أن قوى آذار يرفضون التفجير لأنهم ضده أساساً ولكي لا يقدّموا مادة للنظام السوري يستغلها في لعبته. ثم أن كمية من المصالح العربية ستتأثر نتيجة التفجير وان هناك الكثير من المصالح والمواضيع ما زالت ممسوكة وفي ظل "حكومة حزب الله"، من جانب "المستقبل" تحديداً، وتوازن الخوف يحافظ على الاستقرار في ظل عدم سكوت قوى آذار عن أي مشكلة يتعرّضون لها، وهذا ما أثبته تطور الموقف في عكار وما حصل في الآونة الأخيرة.
ويبدو وفقاً للأوساط، ان قيادات " حزب الله" ليسوا راضين باقتراحات تكليفهم بمهمات كلف بها سماحة. وفي خطابات الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، يتبين انه يعتبر ان النظام صامد لكنه لا يحكم، ومن ضمن حسابات نصرالله للمستقبل حوار سنّي شيعي على قاعدة نتيجة سقوط النظام.

ما يعني ان هذا التوازن هو الذي أدى إلى الاستقرار الداخلي، ولو كانت الدول تجمع على ضرورة ان يحفظ اللبنانيون استقرار بلدهم في ظل الوضع السوري الراهن، وان يمنعوا انتقال الفتنة إليه. وايضاً لو كانت الدول شجعت على الحوار الداخلي وأثنت على استئنافه، وبعد الحوار الذي حصل حول معاودة الحوار أخيراً. والدول تعلم ان معالجة فعلية لموضوع سلاح "حزب الله" لن تتم عبره.
إذاً قوى آذار في الأساس لا يريدون التفجير، و" حزب الله" يحسب حسابات تطور أي موقف على الأرض، وبات هذا التوازن مانعاً للتفجير، وأي بركة دم يتم تحويل لبنان إليها لا يتحمّل الحزب تبعاتها.
  

السابق
اليد الممدودة بالمحبّة لا تُقابَل بالعضّ
التالي
الثوم كنز من الفيتامينات