الكهرباء وأمهات المسؤولين.. في كتاب غينيس

في الأمس كان موعد "اللا نوم"، بعدما عوّدتنا دولتنا الكريمة، وحكوماتها المتعاقبة أن يكون فصل الصيف مميزا، بليلة فيها كهرباء بعد منتصف الليل، فيسارع المواطن "المظلوم" لتشغيل المكيّف أو المروحة، والنوم في سكينة قبل أن تنقطع مجددا، ويهجم "الشوب" والحرارة المرتفعة… هذا في ليلة النوم.
اما ليلة اللانوم أي حين تنقطع الكهرباء بعد الساعة12، وينفصل المولد الكهربائي الخاص بكل منزل، والذي بات في صلب الفواتير الشهرية الكثيرة التي يدفعها المظلوم نفسه، ومعها يتحمّل قرصنة أصحاب المولدات الذي يزيدون في الفاتورة كيفما شاؤوا، بسبب وبغير سبب.

والحجّة واضحة وموجودة مسبقا "ما عم تجي كهربت الدولة". ومع ذلك لا يجد ذاك المواطن المسكين الحل إلا بالإشتراك وتحمّل الإبتزاز واستغلال الفوضى والواقع المفروض من قبل شركة الكهرباء ووزير الطاقة والمياه من جهة، وأصحاب المولدات من جهة ثانية.
وإلا فإنه لن يرى الكهرباء إلا فيما يقارب الـ4 الى 6 ساعات متقطّعة طوال الليل والنهار.

بالعودة الى ليلة الأمس، ليلة اللانوم، وكيف لا نُطلق عليها هذا الأسم، ومع انقطاع التيار في المساء تبدأ تباشير"العتمة" ورحلة الاستماع الى اصوات الأطفال يبكون عاجزين عن النوم لشدة الحرارة. ووزير الطاقة اللبناني تحسّر بمرارة لأنه لم يحتفل بعيد زوجته بسبب انقطاع الكهرباء!

في تلك الليالي السوداء يصرخ أحدهم من منزله "الله يلعنكم كلكن سوا" وآخر ينادي "كيف بدنا نروح عالشغل الصبح"، لترد عليه جارته في المبنى المجاور "الدني صيام الله لا يسامحكم"… وهناك من ينام على شرفة المنزل يلتقط النسمات المبعوثة من الرحمن، وهناك من يغفو على الكرسي، وكل دقيقة يتأفف ويتنفّس غضبا ويصرخ بحرقة "بدي نام حا موت نعس".

 
هذا في اليوم الطبيعي، أما مع شهر رمضان، فبين الصرخة والأخرى يسمع ضرب "معالق" وصحون هنا، و"كركعة" النرجيلة هناك، وأصوات الكراسي… من كل حدب وصوب.
والسبب انتظار انبلاج الصباح للنوم بضع ساعات قبل الذهاب الى العمل. والأجمل من هذه المأساة كلها طنين المنبّه في الصباح الباكر لإيقاظ من يريد الذهاب الى عمله.. يرّن لساعات.. والموظف أو العامل يوقظ بمنبهه الحيّ بأكمله لكن (صاحبه) لا يستيقظ لأنه نام منذ ساعتين كحد أقصى بسبب غياب الكهرباء.

في تلك الليالي السوداء، يصرخ (قبضاي الحي):"العمى بقلبو هيدا البيت مين وين جايب كهرباء".
وهناك من يستمع الأغاني من هاتفه ويسمّع الجميع معه وعليك ان تتأثر معه، فاذا ما كانت حزينة يحزن وينوح، واذا ما كانت سعيدة، يصرخ ويرقص.
من على الشرفة تستمع الى ليلة "اللانوم" عند كل المواطنين المظلومين الذين يمضون ليلتهم وهم بلا كهرباء.

في ليلة "اللانوم"، يطلق هؤلاء على المسؤولين وابل من الشتائم والسُباب، حتى اذا جُمعت هذه الشتائم، لدخلت كل أمهاتهم وشقيقاتهم كتاب "غينيس" للأرقام القياسية، وبأرقام يصعب تكسيرها في أي دولة أو نظام آخر.
وفي تلك الليلة يبحث المسافرون قسرا عن طريقة للهجرة وترك البلاد للإستراحة من هذه الضغوط النفسيّة اليومية التي ترهق وتتعب.

فعلا اننا في دولة "على بابا والـ40 حرامي"، فالله يعين الصائمين في صومهم، كيف أمضوا هذا الشهر حين لا ينامون الليل، ويذهبون في الصباح الباكر الى أعمالهم غاضبين منفعلين، يبحثون على النوم ولو للحظات على طاولة المكتب أو على أرض المعمل، ليعوّضوا ما حلّ بهم من سهر في الليلة الفائتة، وليتحضّروا جسديا ونفسيّا لليلة تالية.

السابق
روتانا توضح إيقاف تصوير أغنيتها
التالي
جعجع: لدينا عشرات الموقوفين في سوريا وكان الأجدى بنا أن نخطف عشرات السوريين الموالين للنظام