معركة سوريا: عنزة ولَوّ طارت!

بعدما تنحّى الرئيس المصري الاسبق محمد حسني مبارك في 11 شباط من العام الماضي، خرجت إحصائية عن عدد القتلى خلال الثورة المصرية التي بدأت في 25 كانون الثاني 2011.

تقول هذه الاحصائية إنّ عدد الذين قتلوا خلال الثورة بلغ 863 شخصا في 18 يوما. لقد كان الرقم صادما بالنسبة الى كثيرين، فالايام التي استخدمت فيها القوة العسكرية فعلياً لم تصل الى عدد اصابع اليد الواحدة، فكيف وصل عدد القتلى الى هذا الرقم وكم هو عدد المصابين والجرحى والمعوّقين؟!

من هذه المحصلة في مصر على مدى 18 يوما فقط، لم تستخدم فيها اعمال القصف بالمدفعية والدبابات والطيران، ننتقل الى سوريا ونتوقف امام الاعداد التي توردها هيئات المجتمع المدني والامم المتحدة.

لقد وصل عدد القتلى، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان ومقرّه في لندن، الى 20000 قتيل. وحسب الامم المتحدة، فإن الرقم توقف عند 16000 قتيل. لكن منظمة الامم المتحدة لشؤون اللاجئين قالت في آخر بياناتها من جنيف إن نحو 150000 سوري سجلوا انفسهم لديها كلاجئين، وانّ قسما كبيرا من العائلات أبت ان تسجل أنفسها كلاجئين، ما جعل عدد 20000 رقماً يمكن الاعتداد به.

ان حجم العمليات العسكرية التي تنفذها القوات السورية النظامية وعناصر الجيش الحر باتت تمتد على جغرافية الدولة السورية، بحيث لم تترك منطقة إلّا وأذاقتها الالم والخراب والدمار، ولم تشفع للطوائف والاقليات والموالين والمعارضين شفاعة، فذاق الجميع طعم الخوف والقلق على المستقبل والسؤال عن المصير وعن الخلاص.

اليوم، في 15 آب، تدخل الثورة السورية شهرها الثامن عشر ولا يبدو في الافق ما يشير الى بوادر حلول او رغبة في البحث عن حل، لا من قبل القيادة الحالية ولا من قبل المعارضة التي ترفض الحوار مع نظام تصفه بالديكتاتوري والدموي.

ويضحك المقربون من النظام من تصريحات رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب بأن النظام بات لا يسيطر سوى على 30 في المئة من الاراضي السورية، ويقولون إنها تصريحات لمنشقّ لا يملك من المعلومات سوى ما كتب له في ليل من قبل "جهات ظلامية".

ولو نظرنا الى الخريطة السورية ابتداء من الشمال الشرقي حيث الحسكة والرقة نزولاً الى المنطقة الشرقية حيث دير الزور، وسِرنا على امتداد أفقي الى الشمال الغربي حيث حلب والمنطقة التي تحوط بها وصولا الى الحدود التركية، ثم الى حمص في وسط سوريا وما يحوطها من حماة وادلب شمالا وابو كمال شرقا والقصير غربا، على الحدود مع لبنان.

والى جنوب سوريا، حيث العاصمة، امتدادا الى درعا والقنيطرة والسويداء، فإننا نجد أنّ هذه المناطق دخلت في دائرة الثورة ورفض النظام. وكلها تعرّضت لقصف القوات السورية النظامية، وما بين هذه المدن، ثمّة قرى لم يبق فيها حجر على حجر، ولم يبق فيها مواطن إلّا وهجرها الى مكان آمن.

فهل يكون حجاب مصيباً او مخطئاً في تصريحاته؟

لقد تحدث حجاب من زاوية العارفين، فكيف وهو يستطرد بالحديث عن الوضع الاقتصادي والسيولة النقدية التي لم يشر اليها وتراجع قيمة النقد السوري. فأيّ دولة تلك هي التي يتمسك بها النظام ويحاول البقاء على رأسها، وأيّ شريحة من الناس هي تلك التي يتغنى بدعمها له؟

وهل صحيح ان هذه "الجماعات الارهابية" تمكنت خلال سنة ونصف من نشر نفسها على 70 في المئة من الاراضي السورية غير آبهة بقبضة النظام الحديدية وآلته الامنية والمخابراتية.

لقد تمكن النظام منذ 40 سنة ان يجلب الامن والامان للناس في سوريا، لكنهما ترافقا مع الخوف والمحسوبية ووحدانية القرار والمسؤولية، فغدا الجميع تحت سيف الاتهام ما عدا المنضوين تحت لواء النظام وما قيل إنه حزب البعث، فلا النظام نهض بالبلاد ولا استطاع استعادة الارض المحتلة، بخلاف كل جيرانه، بمن فيهم لبنان الضعيف الذي استعاد ارضه، بينما النظام في سوريا لم ينجز شيئاً لا بالحرب ولا بالتفاوض.

اما حزب "البعث" فالحديث عنه يطول، ولعلّ من كان من اعضائه خير من يتحدث عنه في مرحلة ما بعد النظام الحالي.

وقصارى القول، إن واقع الحال في سوريا آيل الى مزيد من العمليات العسكرية، وهذا يعني الى مزيد من القتل والخراب والدمار، واستدراج المزيد من التدخل الخارجي، سواء عبر مزيد من المقاتلين او المساعدات العسكرية للمقاتلين او عبر حظر جوي او تدخل من الناتو او حتى مساعدة عسكرية من ايران و"حزب الله" وغيرهم، فهل هذه سوريا التي يريد النظام الحالي ان يدافع عنها وينتصر فيها ولها، ام انه تمسّك بحبال الهواء على قاعدة "عنزة ولَوّ طارت" عوض ان تكون القاعدة "كرمى لمَن له مرقد عنزة في سوريا"؟  

السابق
خطف حافلتين تقلان عدداً من الركاب السوريين في الضاحية الجنوبية لبيروت
التالي
القمّة الإسلامية: الدعوة والمسؤولية