لماذا لن يسمع أحد نداء ملك السعودية؟

دعوة الملك السعودي عبد الله قادة منظمة المؤتمر الإسلامي في مكة المكرمة إلى "التضامن والتسامح"، وأيضاً إلى الحوار بين المذاهب الإسلامية، بدت كصرخة خافتة ومبحوحة وسط ضجيج معركة حامية الوطيس في البيداء، تصطرع فيها السيوف والخيول والأقلام.

فالقاصي والداني يعرف أن الأمة الإسلامية منقسمة إيدولوجياً وأفقياً وعمودياً هذه الأيام، وبشكل انشطار واستقطابي حاد، بين السنّة والشيعة (من إيران إلى لبنان مروراً بمعظم دول الخليج) وبين السنّة والسنّة (ليبراليون، إخوان، سلفيون، قاعديون.. ألخ)، وبين الشيعة والشيعة (مهديون، أنصار ولاية الفقيه وخصومها، وطنيون وأمميون.. ألخ).
لكن الأمر لايقتصر على الانقسامات الإديولوجية. في الميزان أيضاً، وربما قبل الهوية والانتماء، هناك آثار أقدام وبصمات الجيوبوليتيك في كل مكان.
فقمة المؤتمر الإسلامي، على سبيل المثال، عُقدت أصلاً بحفز من الرياض لتشكيل جبهة إسلامية، هدفها إسقاط ما تبقى من أوراق شرعية يتلحّف بها النظام السوري (بسيف الإسلام هذه المرة بعد استخدام سيف العروبة في الجامعة العربية). والرئيس الإيراني أحمدي نجاد قَبِل المشاركة في هذه القمة فقط لمحاولة التخفيف من قوة هذه الجبهة، ومن وطأة القرار المنتظر بتجميد عضوية سورية في منظمة المؤتمر الإسلامي.
بالطبع، لايستبعد أن يكون الملك عبد الله والرئيس نجاد بحثا إمكانية التوصّل إلى اتفاق حول حل ما في سورية، حيث أن بلديهما هما قطب الرحى في المجابهات الساخنة الراهنة في بلاد الأمويين. بيد أن كل الدلائل تشي بأنه لم يحن بعد أوان مثل هكذا اتفاق: فإيران قررت على مايبدو مواصلة القتال في سورية حتى آخر علوي، والسعودية قطعت طريق العودة عن العمل على إسقاط الأسد ونظامه. وكلا الطرفين يعتبران الآن حرب سورية بمثابة المعركة الفاصلة لنفوذيهما الإقليمي، وحتى لأمنيهما القومي والداخلي.

وكما على الصعيد الإقليمي، كذلك على الصعيد الدولي.
إذ يبدو أن الانقسام السنّي- الشيعي بدأ يتدوّل إلى حد بعيد:
– فروسيا تبدو منحازة إلى الإسلام الشيعي، إنطلاقاً من خوفها على "بطنها الرخو" الإسلامي في مناطق القوقاز، وآسيا الوسطى، والداخل الروسي. ولايجب أن ننسى هنا أن نحو 20 في المئة من الاتحاد الروسي يتكوّن من مسلمين، وأن حروب الشيشان أدت إلى مصرع أكثر من 100 ألف شخص وهددت بتفكيك الوحدة القومية الروسية. والأرجح أن هذا الخوف، إضافة إلى عوامل دولية واقتصادية أخرى، هو الذي دفع موسكو إلى أحضان طهران الشيعية.
– والولايات المتحدة، وبفعل صدامها مع إيران الإسلامية الشيعية، وجدت في الإسلام السنّي حليفاً طبيعياً. وهي تستثمر حتى الثمالة في هذه الأيام في مشروع دفع السنيّة السياسية إلى الصراط المستقيم الديمقراطي، من دون أن تخشى احتمال إفادة روسيا من اللااستقرار الذي يرافق ذلك, لماذا؟ لأن سمعة هذه الاخيرة انحدرت بشكل ساحق في الشرق الأوسط العربي وحتى في الداخل الإيراني، بفعل انحيازها إلى الأنظمة الاستبدادية في ليبيا وسورية وإيران والجزائر وغيرها.

ماذا تعني كل هذه المعطيات؟
أمراً واحدا: الإديولوجيا والجيوبوليتيك سيظلا متشابكين بعنف من الآن وحتى إشعار آخر في العالم الإسلامي. وهذا سيأخذ شكل الحروب الأهلية العنيفة والباردة، وقد تتخلله أيضاً حروب عامة ساخنة(إما في سورية ولبنان، أو في إيران والخليج).
هل هذا سيناريو مكرر للحروب الصفوية (الشيعية) – العثمانية (السنيّة) المتَّصلة التي استغرقت حيزاً كبيراً من القرنين السابع عشر والثامن عشر؟
ربما، وإن بأشكال أخرى.

هل عرفنا الأن لماذا كانت دعوة الملك عبد الله إلى "التضامن والحوار" أشبه بصرخة خافتة، في وادٍ يعج بضجيج يصم الآذان؟
  

السابق
خدمة Play station Mobile
التالي
مرجع كبير يمتلك صورا عن فصول العملية المتهم بها سماحة