عاديات.. تتغير

منذ مدة يا إخوان، وهناك مسألة تضج في رأسي كلما واجه لبنان حالة سياسية أو أمنية كبيرة.. وما أكثرها! غير أن الضجيج زاد بعد اكتشاف قضية ميشال سماحة والمخطط الإرهابي الذي كان معداً لمنطقة الشمال، ومنها الى غيرها كلها، لو نجح المراد!.

وذلك الضحيج متأتٍ من سؤال بسيط: ماذا لو كان غير العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية اللبنانية؟ وماذا لو كان هناك فوق ذلك الكرسي الخطير، من هو مثل بيّاع الذمم والدم والتاريخ والجغرافيا! ما غيره! أو مثل ذلك العريف المخابراتي "الفسّيد" والفاسد الذي علك الجمهورية وقيمها وكراماتها وشرشح الكرسي والمنصب وهتك وفتك مستنداً الى قوة أسياده وأربابه ومشغّليه من ضباط النظام الأسدي؟ ماذا لو كان هناك في ذلك الكرسي الرئاسي من يرضى بأن يؤجر ضميره، ويعطل قَسَمه ويذل نفسه وبلاده وعلمه وشرفه القومي من أجل أن يحظى برضى القتلة خارج الحدود؟ ومن أجل أن يداوي أعراضاً أصابته وتشبه الأعراض التي تصيب الأقزام أمام العمالقة؟.. ماذا لو كان هناك من يرضى أن يستمر في الإذعان لسلطة الحكم السوري، وفي إيثار مصالحه على مصلحة اللبنانيين العليا والمقدسة ومصالح الوطن اللبناني الأعلى والأكثر قداسة!؟

.. أنست سنوات الوصاية وممارستها وثقافتها وابتذالها اللبنانيين بعض البديهيات والبدايات، بل أنستهم بعض معاني المصطلحات التي تستند الى اللغة العربية كلها.. صارت الكرامة عند بعض العسس السياسي والإعلامي موازية للحس جزمة ضابط سوري، والمزايدة عليه في الذمّ والطعن بلبنانيين آخرين وبكبارهم ورموزهم وأشرافهم ورجالهم بل بالاشتراك في التآمر على إلغائهم وإقصائهم بأي طريقة ممكنة..
ذلك العسس الساقط أخلاقاً وسياسة وثقافة وناموساً ووطنية، عمّم مناخه المريض على الأسوياء والأصحاء، ونجح في تسويق السفالة وإشاعتها، وفي إدخال "أدبيات" البيان الأخلاقي السلطوي السوري الى حياة اللبنانيين على مختلف مراتبهم. وصار الناس يتفرجون على الهواء مباشرة، على تنافس هؤلاء للفوز بمنصب الأكثر انحطاطاً والأكثر ابتذالاً والأكثر دونية والأكثر تعريصاً وفجوراً من غيره! والأكثر شطارة بالتالي، في تقديم أوراق اعتماده الى سلطة الأسد.

صارت "عاديات" الأمور والأخلاق والأوطان والسياسة في زمن السلطة الأسدية، أن يكون منصب رئيس الجمهورية عندنا قضية ملتبسة، تتقدم رفعتها طالما التزم صاحب المقام "الخط" وتتراجع حتى الاندثار إذا خالفه.

.. وأن يلعب المسؤول الأمني المحلي دور الواشي الرخيص عند أسياده في دمشق، وأن يعمل الوزير اللبناني تبعاً لتعليمات القيادة "القطرية" وليس تبعاً لقواعد الدستور وموجباته وشروطه!
تلك "عاديات" زمن "البعث" والتركيبة الفئوية الإجرامية في دمشق، وهي في نزعها الأخير، تتلاشى وتنقرض في أرضها.. ومن "العادي" والطبيعي أن/ أو تتلاشى في أرضنا وتندثر في مؤسسات الدولة اللبنانية وأولها وأخصها رئاسة الجمهورية.
  

السابق
سيناريوات سوريّة تقلق إسرائيل
التالي
800 عائلة نازحة في صيدا ومخيماتها