سيناريوات سوريّة تقلق إسرائيل

اليوم الذي يلي نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أو اليوم الذي يلي بقاءه فيه، يحمل فرصاً وتهديدات، غير سهلة من ناحية إسرائيل. يسود قراءة تل أبيب لليوم الذي يلي الحرب في سوريا، عدم يقين وضبابية، إذ إن السيناريوات المختلفة، كلها مرجحة وواردة وممكنة، خاصة في ظل صمود النظام ميدانياً وسياسياً، وعدم قدرة الغرب والمعارضة المسلحة على الحسم، الأمر الذي يوجب على تل أبيب الاستعداد لمواجهة النتائج المختلفة، وبعضها متطرف جداً من ناحية تل أبيب، ويضرّ بالأمن القومي الاسرائيلي.
ما يصدر عن إسرائيل من مواقف وتقديرات يكاد ينحصر في ترجيح سقوط النظام في سوريا، والتأكيد أن ذلك يعني ضعفاً لمحور أعدائها، بدءاً من إيران، مروراً بلبنان، وصولاً الى قطاع غزة. والترجيح بسقوط الأسد بات يبتعد عن التوقيت، بعد النكسات التي مر بها التقدير الاستخباري الإسرائيلي، منذ بدء الازمة.

لكن ماذا عن استعداد إسرائيل لواقع بقاء الأسد ونظامه؟ أو انزلاق الوضع الى الفوضى الكاملة والدولة الفاشلة؟ أو بقاء الوضع على ما هو عليه، بلا أفق حل سياسي أو عسكري؟ وأيضاً ماذا عن استعداد إسرائيل لإمكان انتقال عدوى الاحتراب إلى جيران سوريا؟ أسئلة، وغيرها، موجودة بالتأكيد على طاولة البحث والنقاش الاستخباري في إسرائيل، إلا أن محاولة استيلاد الردود عليها ما زالت في الغرف المغلقة، ولم يتسرب منها إلا القليل.

يكتب اللواء أودي ديكل، الرئيس السابق لقسم التخطيط الاستراتيجي في شعبة التخطيط التابعة لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، مقالة في نشرة «مباط عل» (نظرة عليا)، التي تصدر دورياً عن مركز أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، (08/08/2012)، مطالباً بضرورة العمل على تلقّف الفرص ومواجهة التهديدات، حيال كل السيناريوات المحتملة للحرب في سوريا. وديكل، الذي أنهى خدمته العسكرية حديثاً، يرصد خمسة سيناريوات:
أولاً: سقوط النظام السوري، وتفكّك بنية الدولة إلى كانتونات، مع حرب أهلية وصراع دموي مستمر بين الطوائف والأعراق. ثانياً: بقاء النظام مع سيطرة جزئية، سواء مع بشار الأسد أو غيره، على أن يحتفظ النظام بمحور طولي ومركزي، يمتد من دمشق الى حلب والقطاع الساحلي، إلا أنه يفقد السيطرة الفعلية على الأطراف. ثالثاً: نظام حكم آخر في سوريا، يتأسس على قوى المعارضة وتوحّدها ونجاحها في فرض الاستقرار الأمني وخلق توازن ما بين المجموعات العرقية والطائفية. رابعاً: فوضى كاملة، وتحول سوريا إلى ساحة حرب بالوكالة عن الأطراف الخارجية، مثل إيران مقابل السعودية ودول الخليج، وتركيا مقابل الكرد، والولايات المتحدة مقابل روسيا. خامساً: صيرورة ما، تؤدي إلى تدخل خارجي، من خلال عملية عسكرية تسقط نظام الأسد وتحل مكانه نظاماً آخر، ضمن مسار طويل يتضمن المصالحة الداخلية والإصلاحات الديمقراطية.

من وجهة نظر إسرائيل، يضيف ديكل، فإن معظم هذه السيناريوات ولّادة لفرص وتهديدات: تحوّل الحدود في الجولان إلى ساحة تحرك حرة لجهات معادية؛ تسرّب أسلحة استراتيجية وكيميائية إلى حزب الله وعناصر متطرفة أخرى؛ مبادرة إيرانية إلى مهاجمة إسرائيل عن طريق حزب الله أو غيره من الوكلاء؛ تدفّق لاجئين سوريين الى إسرائيل؛ القلق من إمكان حرف اهتمام الغرب عن إيران، الأمر الذي يسمح لها بمواصلة تطوير برنامجها النووي. مع ذلك، يشدد ديكل على أن الوضع قد يحمل فرصاً، وتحديداً ضعف المحور الراديكالي في المنطقة؛ تغيير في ميزان القوى اللبنانية، واحتمال تفكيك قدرات حزب الله الاستراتيجية، مشيراً إلى أن من واجب إسرائيل، إلى جانب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، تأمين بيئة ملائمة لهذه الفرص، سواء بتحرك استباقي فعلي، أو وقائي مبادر إليه.

الخيارات الإسرائيلية، بحسب ديكل، تتشعب الى ثلاثة: الخيار الإيجابي، لإيجاد ظروف ملائمة لقيام نظام آخر في سوريا، من خلال تقديم المعونة للمعارضة، وإضعاف نظام الأسد، وأيضا معالجة حزب الله سياسياً واقتصادياً، بل وأيضاً عسكرياً. أما الخيار الثاني، فهو الخيار المقتصر على ردّ الفعل الأمني، وتقليص المخاطر الحالية والمستقبلية، من خلال منع تهريب السلاح، بما فيه الأسلحة الكيميائية، وردع الأسد عن استخدامها ضد إسرائيل، أو تزويد حزب الله بها، إضافة إلى تعزيز الإجراءات العسكرية في هضبة الجولان استعداداً للتحديات الأمنية المتنامية. أما الخيار الثالث، فهو خيار سلبي، أي الافتراض أن سقوط الأسد سابق لأوانه، ولا يمكن التعويل عليه، وبالتالي اكتفاء إسرائيل بإضعاف النظام في سوريا، باعتباره أفضل السيناريوات، قياساً إلى السيناريوات الأخرى غير المعروفة، وغير المتوقعة النتائج.
رؤية إسرائيلية لسيناريوات الوضع ومآلاته، لكن أهم ما فيها أنها تشير إلى عدم يقين تل أبيب، حيال الوضع السوري.  

السابق
برغاميني: خوف اوروبي على لبنان
التالي
عاديات.. تتغير