في ذكرى عدوان تموز 2006 ..عيتا الشعب قرية جديدة

هنا صاغ تموز تاريخ الشرق الأوسط الجديد. هنا عيتا، وعيتا قبل تموز تختلف عما بعده. فثمن المجد لم يكن رخيصا، أقله ذكريات لا يمحوها الزمن وشهداء خلدوا في الذاكرة.
هنا عيتا، عيتا القرية الجديدة، عمرها بعمر العدوان. شوارعها أصبحت أوسع بعدما عبدتها البلدية، وبيوتها أصبحت حديثة بعدما أعيد بناؤها. لا وجود هنا لبيوت الحجر القديمة، طُمس التراث منذ زمن عندما دمرت آلة الحرب الإسرائيلية بيوت أجدادنا، ساعدتها آلة السكان أنفسهم الذين رفضوا ترميمها. فضّلوا بيوتا جديدة، والنتيجة، قرية جديدة بكل معنى.

في مثل هذا اليوم
في مثل هذه اليوم تهجّر الأهالي من عيتا. مشهد لا يعرفه سوى من عاش الحرب. رجال ونساء وأطفال يهرعون الى السيارات، لا يخرجون معهم شيئاً. يتركون البيوت التي أفنوا العمر في بنائها، وشتلات التبغ التي امتصت عرق أيامهم ويمضون. " كان الصوت قريبا جدا، قال الإسرائيلي أننا يجب أن نخلي البلدة في غضون خمس دقائق لأنها ستقصف، فبدأنا بالهرب" يقول حسين طحيني وهو جالس على شرفة بيته في "الحارة الفوقا" المواجهة "لخلة وردة"، مكان أسر الجنديين. لا أحد يحب استذكار المشهد.."توجّهنا نحو رميش، وقف الموكب فيها لبضع دقائق، فاجتمع أهلها بالقرب منا وأعلنوا تضامنهم معنا وطلبوا منا البقاء عندهم". تضيف زوجته" الكل كان خائفا، وكان همهم مغادرة الضيعة"، وهنا بدأت المأساة" استضافنا أهل رميش في بيوتهم برحابة صدر، لكنّا عانينا بسبب قلة الماء والطعام". تتذكر المرأة كيف كانوا يستحمون بمياه البركة"الخضراء" وكيف عاشوا أسبوعين في بيت مع ستين فردا"رجال، نسوان، أطفال، بالحرب ما في حدود شرعية، المهم نلاقي مكان ننام فيه".

قصة مختلفة
تختلف قصة "نبيهة دقدوق" عن قصة جيرانها. فالمرأة لم تخرج من القرية، بقيت فيها 33 يوما. صمود كلّفها زوجها الذي تساقطت عليه حجارة الحائط، وذكريات لم تغب عن وجدانها."كنا نسمع كل أصوات القصف التي كادت تصم آذاننا، فكنت أضع الوسادة فوق رأسي لأغفو بضع دقائق. عندما خرج الناس من القرية لم نفكر نحن بذلك، بقيت مع زوجي وأخي، وكنت أعد الطعام للشباب". يعلّق شقيقها "أبو قاسم" الذي يتذكر الحرب بكل تفاصيلها" أصعب أيام الحرب كانوا آخر أيام، وتحديدا لما خلصت الهدنة". هنا بيت القصيد، تضيف المرأة بانفعال" كنت جالسة في الزاوية عندما سمعت صوت الدبابة قرب بيتنا، وبعدها سمعت صوت الإسرائليين وهم يدمرون الملجأ. صرت أرجف من الخوف، وبقينا في أماكننا ولم نتحرك، عرفت أنهم دخلوا القرية، وأن المواجهات صارت مباشرة بينهم وبين الشباب. في اليوم التالي سمعنا صوتا كبيرا، وبعدها لم نستطع أن نفتح أعيننا بسبب الغبار والتراب، فعرفنا أنّنا قصفنا". تقاوم المرأة دمعتها وهي تتذكر آخر اللحظات في حياة زوجها" سمعت صوته يناديني، قمت لأساعده، أزحت عنه الحجارة الكبيرة، كان ما يزال حيا، لكن بعد لحظات وقع بجانبنا صاروخ آخر، فوقع الحائط الذي كان يتكئ عليه فوق رأسه. هذه المرة عندما كشفت وجهه، كان قد فارق الحياة". تأخذ نفسا عميقا" الله يرحمو كان حابب يستشهد واستشهد".

 

بيوت جديدة
هكذا أعاد السكان بناء بيوتهم في أماكنها القديمة، على التلة المواجهة للراهب وخلة وردة، وفوق النقاط التي شهدت أعتى مواجهات. "ليش بدنا نترك الضيعة أو نعمر بمكان تاني! ما منعمر إلا بأرضنا جكارة باليهود"، تقول "أم محمد" التي عادت الى قريتها فور انتهاء الحرب. تتذكر تلك الأيام وتبتسم" كنا نجلس على ضوء الشمعة، في مقابل فلسطين المحتلة التي تشع بالأنوار." رغم مرارة الظروف كانت المرأة فرحة" لإنو رجعنا وانتصرنا عليهم". فلسفة الإنتصار هنا أقوى من الدماء والدمار"كانت الضيعة مدمرة كلها، ما في إلا كم بيت، وكان في 20 شهيد، آخ على هديك الأيام".
"20 شهيد رقم صغير قياسا الى ضراوة العدوان على هذه القرية"لإنو في عناية إلهية أحاطت بالقرية" يقول رئيس البلدية علي سرور" لم يصدق الصحفيون الذين عاينوا حجم الدمار أن 20 شهيدا فقط سقطوا في هذه البلدة، الله حمى الشباب".

ذكرى
يتذكر حسين( 20عاماً) أيام ما بعد الحرب"عندما كنا في المهجر، كنا نقول بأنا سننصب خيمة فوق أول حبة تراب نراها من قريتنا. كنا نحلم بالعودة، كانت حلما. وفعلا عندما عدنا عشنا في غرفتين في مدرسة مدمرة بعدما نظفناها من الدَّمْلِ والحجارة. عشنا من دون كهرباء وكنا نجلب المياه من بئر بيت مهجور، وكان الصحافيون والإعلاميون يتوافدون ليأخذوا صورا عن المكان غير الصالح للعيش، ويستغربون كيف تعيش فيه 3 عائلات وخمسة أطفال. أنا وأخوتي والرجال نصبنا خيمة وعشنا فيها شهراً كاملاً.
عيتا الشعب الآن قرية جديدة، قرية عمرها بعمر الحرب "عندما جاء أخي من السفر بعد الحرب بعامين مشى في شوارع القرية ليتعرف عليها من جديد، وبكى عندما ذهب ليرى حارته فلم يجد بيته"، يقول مالك (30 عاماً)."أغرقت تعويضات قطر الناس بالأموال، أعطوا 40 الف دولار عن كل وحدة سكنية، بالإضافة الى فرق الأمتار". يضيف بسخرية "للحرب حسنات، فكثير من العائلات أخذت أضعاف ثمن بيوتها وعمّرت طوابق بمساحات واسعة". " نسيت الناس إنو بيوتها راحت بدقائق، عمّرت بدل البيوت قصور". هكذا يصف الرجل "عقلية" أهل قريته"لو صار مية حرب الناس بترجع وبتعمر وبتعيش وبتنسى الماضي".

السابق
حماس وحرمة الدم
التالي
وائل شرف ينفي شائعة مقتله