تعقيدات المعارضة السورية: حكم ذاتي وساحل آمن

بات الجميع يتحدث عن مرحلة ما بعد نظام بشار الاسد. وبحسب معارضي النظام وحلفاءهم فإن نهاية نظام الاسد باتت قريبة وقريبة جداً وصولاً الى الحد الذي تنبأ احد القادة العسكريين الاسرائيليين بأسبوعين حاسمين امام الازمة السورية. فإسرائيل، الاردن، تركيا ، دول الخليج العربي ومعهم الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي اصبحوا على قناعة شبه تامة ان المراحل الاخيرة من عمر النظام السوري باتت قاب قوسين او ادنى، معتمدين بذلك على التطورات الميدانية على الارض، وتحديداً مع اقتراب المعركة الحاسمة بين قوات الجيش السوري الحر والجيش النظامي في حلب، وهي المدينة التي يعتبرها محللين وخبراء عسكريين واستراتيجيين بوابة العبور نحو دمشق. واكثر من ذلك فإن ما يدعو مجموعة الدول تلك، المؤلفة للمحور المناهض لحكم بشار الاسد تنامي موجة الاستقالات والانشقاقات داخل الصفيّن الامني والسياسي السوريين ولن يكون اخرها انشقاق رئيس الوزراء رياض الحجاب، وتوجه من الاردن الى قطر البلد المضيف للمعارضين السوريين، على ان الذي سبق حجاب كان رئيس فرع المعلومات يعرب الشرع، ابن عم نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع.

وبما ان التحولات الدراماتيكية والاحداث الميدانية تدفع بموجة المتفائلين بقرب سقوط النظام، بأن يسيروا نحو النهاية في توقعاتهم، غير ان اسئلة كثيرة ما تزال تعكر صفو تفاؤل البعض، وتحثهم على المزيد من التريث وعدم استباق الاحداث، وذلك اعتمادا على تقارير استخباراتية وتجارب سابقة. فمن هذه النقطة بالتحديد تدور تساؤلات حول مصير الاسلحة الكيماوية وغير التقليدية التي في حوزة النظام، وفي يد اي من الدول او التنظيمات ممكن ان تقع تلك الاسلحة ؟ وما هي الاجراءات والخطوات التي من الممكن اتخاذها لضمان عدم وصول تلك، الى تنظيمات معادية لاسرائيل ولدول اقليمية؟، ولا تصب المخاوف الاسرائيلية والغربية ودول الجوار السوري، الاردن وتركيا وتشكيلهم لجان احتياطية في الاسابيع الماضية لمراقبة عملية انتقال تلك الاسلحة في حال فراغ السلطة في دمشق، سوى في اطار البحث عن حل لمشكلة مستعصية يجري التعامل معها بكثير من الحذر.

في موازاة عقد سورية الكيماوية والجرثومية، يتساءل كثيرون عن مدى قدرة الجيش السوري الحر وقوى المعارضة المسلحة في السيطرة على الارض السورية باكملها، وفي هذا الاطار تبرز اكثر من نقطة، اولها إن تعذر فرص التدخل العسكري الخارجي نتيجة الفيتوات الروسية الصينية المتكررة في مجلس الامن من شأنه ان يعقّد الامور اكثر فاكثر، اذ انه وحتى الساعة لا يزال الجيش النظامي ممسكاً بزمام الامور الى حد كبير في دمشق رغم سقوط ريفها بأغلبه في ايدي الجيش الحر، اضافة الى ان معركة حلب تبدو غامضة وغير محسوبة لكلا الطرفين حتى الساعة، فيما معارك حمص وادلب لا تزال بين كر وفر، هذا مع الاخذ بالاعتبار ان محاولات تصوير نظام بشار الاسد كنظام علوي في مواجهة شعب سوري باغلبيته من المسلمين السنة لم تنجح حتى الان، ولم تستطع احداث انشقاقات كبيرة في صفوف كل من الطاقمين العسكري والرسمي، وهو ما يعود الى الذهنية العلمانية للجيش ومنتسبي حزب البعث الحاكم.

اما ثانيا، فان ما يعقد الامور اكثر امام المعارضة المسلحة والدول الدائرة في فلكها، هي حالة الهدوء النسبي التي تسود المحافظات الساحلية كطرطوس، بانياس واللاذقية اضافة الى جبل الدروز، وهي مناطق تدين الولاء للنظام، بفعل الانتماء المذهبي من جهة وبكونها مناطق اقليات من جهة ثانية، وبالتالي فإن امكانية السيطرة العسكرية عليها واخضاعها يبدو امراً في غاية الصعوبة ان لم نقل مستحيلاً، والتجارب التاريخية هي خير دليل على ذلك.

على صعيد ثالث تتخذ المسألة الكردية بعدا اخر يزيد من عقد الازمة لدى المعارضين، لاسيما بعدما اوكل النظام المنطقة الشرقية في دير الزور، القامشلي والحسكة الى الاحزاب والعشائر الكردية الموالية له وتحديداً الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهذا الاخير فعّل من عملياته العسكرية ضد تركيا وذلك كورقة سورية في مواجهة انقرة، وعملياً بات للاكراد اقليماً على شكل حكم ذاتي ثان لهم بعد كردستان العراق.

في ضوء ذلك تبدو سيناريوهات زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي غير ملزمة التطبيق مع نظام بشار الاسد، ولعل التجربة العراقية حين انتفضت اكثر من 14 محافظة شيعية في مواجهة نظام صدام في العام 1990، ابان عملية ثعلب الصحراء وفشلت في تحقيق مرادها إلا بعضلات التحالف وبعد 13 عاماً، تظهر الاكثر تشابهاً مع ما يدور في سورية اليوم.
 

السابق
من فرعون عسكري الى إسلامي ؟
التالي
لتخصيص راتب لربات المنازل!!