تصحيح الخلل


"الخلل الفني" الذي حمّلته آلة الاسد الإعلامية بالأمس مسؤولية سقوط طائرة "الميغ 23" قرب دير الزور يشبه "الخلل الفني" الذي يدفع الشعب السوري إلى الثورة لإسقاط الحكم الأسدي الفئوي… وهو ذاته الذي أدى إلى إسقاط ميشال سماحة بالضربة القاضية أمام فرع المعلومات وانكشاف المخطط الإرهابي المعدّ لإشعال الفتنة اللبنانية الباردة ووضعها مرّة واحدة في فرن وقّاد!
"الخلل" مركزي وعتيق وغائر في عمقه، وبداياته مثل نهاياته. ويتمثّل دائماً وأبداً في اعتماد النكران صنواً لسياسة الفرض والبطش، وخارطة طريق لديكتاتورية صافية لا تخدش درعها أي ممارسة مدنية طبيعية مهما كانت متواضعة!
والنكران مُعطى خطير. لا يتصل فقط بقدرة السلطة على تطويع الحقائق على قياسها وتحريف الوقائع بالاتجاه الذي يتلاءم مع مصالحها إنما هو شكّل في أساسه الجذر الفعلي لمنظومة فكرية سياسية وحزبية أمنية كسّرت البناء السوري التقليدي والتاريخي وعمّرت في مكانه وعلى أنقاضه ذلك النظام الأسدي الأسيدي الذي لا يزال يحرق أينما حلّ وكيفما حلّ!
نظام النكران الذي حطّم سوريا والقضية العربية المركزية عندما حوّلها إلى مشاريع حروب أهلية متنقلة، هو ذاته الذي لا يعترف بحقائق الاجتماع السوري ولا بموازينه ولا بأحجام مكوّناته، ويضع كل ذلك في سياق مركزي بديل يسمّيه تارة حزباً وطوراً "دولة" شعارها أكبر من كيانها، وطرحها أرفع مستوى من حقيقة صنّاعها أو تجّارها، ويذهب من أجل تأكيد سيطرته وسطوته إلى حدود تدميرها تماماً إذا لم يستمر في حكمها.
ومُعطى النكران ذاك مدمّر في خواتيمه، اعتمده بشار الأسد ركناً مكيناً في سلطته ولم ينتبه إلى قدرته على التمويه والغدر: منذ آذار عام 2011 بدأ نظام النكران ينكر أنّ شيئاً حصل في درعا، لأنّه ينكر أصلاً أنّ في سوريا مَن يمكن أن يقول له ولحزبه وسلطته وحاشيته: لا. ولأنّه ينكر أساساً وجود سوريا خارج سيطرته. ومنذ آذار ذاك حتى يومنا هذا يستمر في نفي حقائق مثل الجبال، أقوى من كل ترسانته وتحالفاته وشبّيحته، تقول إنّ شعب سوريا قرّر أخيراً شيئاً مختلفاً تماماً عن الأسد وحزبه، وأنّ السيبة التي انكسرت في العام 1963 آن لها أن تصطلح، وأنّ "الخلل الفني" الذي ضرب سوريا على مدى نصف قرن آن له أن يُصحَّح!
 
 

السابق
لندع القضاء يستكمل تحقيقاته
التالي
من فرعون عسكري الى إسلامي ؟