جمهور 8 آذار: أصابنا الملل

الوزير السابق ميشال سماحة في السجن، العميد مصطفى حمدان يرتدي بذلة رسمية تشبه بذلاته، ويحل محله في الحديث عن الـ«نحن» الذين «نعرف كيف يكون الرد المناسب ومتى» . وفي ظل نأي غالبية السياسيين بأنفسهم، يحاول وزير الثقافة العوني غابي ليون خطف بعض الأضواء، فيعلن اكتشافه الرائع الأول: «الأكيد أن التسريبات مدوزنة». ويزفّ الثاني: «لكن لم يعرف بعد مصدرها»! أما النبأ الثالث الذي كان جمهور 8 آذار يترقبه بشدة فهو: «أن الجهة التي تحقق في قضية سماحة مسيّسة، وباعترافها هي»، قبل أن يحمل عضو كتلة التنمية والتحرير النائب عبد المجيد صالح عوده ليسمع الجمهور الأغاني التي يعتقد أنه يشتهيها: «التراث المقاوم» و«الأنظمة المقاومة» تتعرض لـ«أبشع حملة استهداف (…)».
بدوره يردد نائب رئيس المجلس النيابي السابق إيلي الفرزلي أمس نظريته بشأن انتخاب كل طائفة نوابها، كأن المشكلة ما زالت تختصر بالهيمنة الإسلامية على المقاعد المسيحية، فيما يسعد وزراء الأكثرية بجهلهم التام بما يحصل حولهم، فيكررون بغباء تأكيد عدم معرفتهم بما حصل ويحصل.

ثمة رأي عام هنا. رأي عام ملّ «الخبريات» عن بندر بن سلطان وأبناء عمه، لأنها مجرد «خبريات» لا دليل يؤكدها ولا إثباتات. ملّ الحديث عن عدم شرعية فرع المعلومات وقد مرّ عام على قيام حكومة حزب الله _ عون. رأي عام فهم بعد طول التكرار أن الداء «حملة بشعة لاستهداف التراث المقاوم» يودّ أن يسمع ولمرة واحدة فقط من قيادييه ماهية الدواء. رأي عام يعلم مصدر «التسريبات المدوزنة»، لكنه ينتظر من سياسييه «المعلومات الأصح». كانت المؤامرة عنواناً كبيراً، صارت المؤامرة بكل التفاصيل.

ملّ جمهور 8 آذار. هنا رانيا شومان، ناشطة بارزة فايسبوكياً تكتب أمس عن تفكيرها في «الانشقاق عن محور دفن الرؤوس في الرمال». ففي حال انضمت شومان إلى إحدى المجموعات التكفيرية «سيأتي وزير أو حتى رئيس مجلس الوزراء ليعيدني إلى منزلي معززة ومكرمة»، بينما يكتب أحد المصرفيين العونيين على حائطه أيضاً: «طفح الكيل، لا نسمع منهم سوى كلام بكلام. لا المشاريع تمشي ولا التعيينات تقطع ولا القوانين تنفذ. استقالتكم أشرف لكم من الاستمرار كما أنتم: خيال صحراء».
في غياب الكهرباء والمياه والارتفاع المخيف لكافة الأسعار والتسيّب الأمني، تُشغل قوى 8 آذار بما هو أهم: يناكف الرئيس نبيه بري تكتل التغيير والإصلاح في المجلس النيابي، يتشاطر العونيون على القوميين في الكورة، فيما يقضي الوزراء غالبية جلسات مجلسهم بعضهم بمناكفة بعض ليسرّبوا لاحقاً إلى الإعلام أخباراً تضحك سامعيها، بعضهم على بعض.

مشكلة 8 آذار الأولى، يقول ناشط في أحد أحزابها، أن عدم تفاهمها أنهك جمهورها. فبدل تفرغه لمواجهة خصومها، ينقسم على نفسه، تشده إحدى مجموعاتها يميناً وأخرى يساراً. ففي الأشهر القليلة الماضية، لم تعد المشكلة بين عون والسنيورة مثلاً، بل بين عون وميقاتي أو عون وبري أو حتى عون وحزب الله. في ظل اعتقاد بعض القادة المتذاكين، يتابع الحزبي الشاب، أن في إمكانهم التحريض بعضهم على بعض يوم الاثنين، وتعبئة رأيهم العام بعضه ضد بعض الثلاثاء، ثم يقنعون من يعنيهم الأمر يوم الأربعاء بوجوب أن يحب بعضهم بعضاً ونسيان كل ما قالوه لهم في اليومين السابقين.
مشكلتها الثانية، يشير ناشط آخر، إقناعها نفسها بعدم تحملها أي مسؤولية تجاه ما يصادفها أو يحصل معها. ويعدد أمثلة: المؤامرة تحول دون توفير المازوت للمولدات الخاصة بسعر أرخص. المؤامرة تمنع نواب الهرمل من توفير شبكة مجارير لمدينتهم. المؤامرة تخنق زحمة السير يومياً على طول الأوتوسترادات وفي شتى المناطق. المؤامرة تخرج شادي المولوي من السجن بسيارة الوزير محمد الصفدي. والمؤامرة _ هذه الشريرة _ تفلت الأمن في شتى المناطق.

أما مشكلتها الثالثة فعجزها عن المبادرة ولو في ملف واحد إلى الفعل أو حتى تلقف الفعل واستيعابه بالسرعة المطلوبة للقيام بردّ فعل. الشيخ أحمد الأسير فعل، يقول أحد شبان التنظيم الناصريّ، أما ردّ فعل قوى 8 آذار عليه فكان: سكوت وتجاهل بالكامل. كأنهم يطبّقون النظرية الاستخبارية السورية القائلة إن كل ما يخفيه إعلامنا الرسمي، بالفعل سيختفي. توقيف ميشال سماحة كان فعل، تقول ناشطة عونية، أما ردّ فعل قوى 8 آذار عليه فمجرد بيانات واستنكار لطريقة التوقيف.  

السابق
الصفدي وميشال حايك
التالي
عدم تورّط حزب الله لا يعني تبرئته