الجيّد والسيِّئ والبشع في سوريا اليوم

يوم السبت الماضي نشرنا في "الموقف هذا النهار" بعضاً من تقويم جدي للاوضاع في سوريا اجرته مجموعة بحثية اميركية موضوعية قادرة على ايصال استنتاجاتها الى الادارة في واشنطن. اليوم نتابع وفي "الموقف" نفسه بعضاً آخر من هذا التقويم لعله يفتح عقول اللبنانيين على حقيقة ما يجري داخل سوريا، ويدفعهم الى وضع عواطفهم جانباً في اثناء التعاطي معها بحيث يجنبون بلادهم خطر الانخراط مع الثوار او مع النظام.
ماذا في البعض الآخر من التقويم نفسه؟
فيه ان سوريا اصبحت ساحة لتدخل خارجي متنوّع يغذي الحرب الدائرة فيها. وان الموفد العربي الدولي كوفي انان (استقال أخيراً) سعى الى التوسّط بين أطرافها لكنه لم ينجح لأن الذين دعموا مهمته كان لكل منهم هدف يريد تحقيقه مناقض لأهداف الآخرين. ذلك ان خطته كانت ايجاد قاعدة مشتركة بين اطراف الصراع، في حين ان خطة غالبية هؤلاء كانت الافادة منه للانتصار على الآخرين بالضربة القاضية.

وفي التقويم أيضاً ان المواقف الدولية يمكن ان تتغير. تدفعها الى ذلك مجزرة كبيرة أو فقدان النظام سيطرته على الأسلحة الكيماوية الأمر الذي يطلق عملاً عسكرياً غربياً. وتدفعها الى التغيير ايضاً مبادرة تركيا والاردن الى إقامة منطقة آمنة على أراضٍ سورية حدودية في حال تدفق اللاجئين السوريين إلى الدولتين بالآلاف. فضلاً عن ان ايران و"حزب الله" قد يتحركان عسكرياً نيابة عن نظام الأسد في اثناء تنفيذ العمل العسكري الغربي ضده. طبعاً هذه السيناريوات لا تزال نظرية لكن تحوُّلها عملية ممكن جداً. علماً ان الحقيقة الثابتة حتى الآن هي ان الصراع في سوريا سيستمر الغرب في تغذيته، لكنه لن يكون الجهة التي ستحدد مصير الصراع، ومن سيفعل ذلك السوريون انفسهم. وفي التقويم إياه أيضاً انه بسبب المذكور أعلاه فإن مواقف وأفعالاً مهمة ستحصل على أرض الواقع. انطلاقاً من ذلك يميل المراقب وخصوصاً من خارج، الى الاعتقاد ان النظام السوري تصرف منذ البداية بدم بارد ومن دون تمييز. والحقيقة ليست كذلك أو هي كذلك جزئياً فقط. فالصراع مرّ بمراحل عدة أولاها تقديم النظام تنازلات سياسية غصباً عنه ووجهت بتصاعد المطالبات الشعبية، وممارسته في الوقت نفسه قمعاً وحشياً افقد تنازلاته صدقيتها. وثانيتها اعتماده الحل الأمني لإخضاع كل المجموعات السورية، لكنه حفَّزها بذلك على الصمود وعلى الاستمرار في المقاومة. اما ثالثة المراحل فهي لجوؤه الى الحل العسكري الذي نفذ سياسة الأرض المحروقة، والذي انطوى على السرقة، فتحول بذلك الجيش السوري قوة احتلال مكروهة. وفي كل من هذه المراحل الثلاث دمَّر النظام السوري جسراً، فاقداً بذلك طريقاً للعودة ومخرجاً من الوضع الذي أصبح فيه. ذلك ان "الحل السياسي" اضعف وشوّه سياسيي النظام، والحل الأمني دمر قدرة الأجهزة الأمنية على العمل، والحل العسكري قضى نهائياً على صدقية الجيش ورصيده.

في اختصار، يشير التقويم الموضوعي للمجموعة البحثية الأميركية الجدية نفسها الى ان الديناميات الاجتماعية أنشأت أو أظهرت أوضاعاً ثلاثة هي الآتية:
– الوضع الجيد: وقد تمثّل في اظهار المجتمع المدني السوري حيوية ملحوظة وشجاعة ومرونة. وقد حرَّك ذلك أو عبأ شبكات المساعدة الشعبية، وأقام نوعاً من الضبط أو المراقبة على النشاط المعارض او بعضه وخصوصاً الناشط منه في أجواء مسمومة. وتمثّل ايضاً بفشل وحشية النظام في اخضاع الاحتجاجات الشعبية وبدفع المعارضة السورية الى اكتشاف معنى التضامن والمجموعة المشتركة والفخر الوطني.

– الوضع السيِّئ: وتمثّل بالمذهبية والاصولية والجهادية والمقاتلين الأجانب الذين اخرجهم من تحت الارض (مجازاً طبعاً) طول مدة الحرب وممارسات النظام. ويظهر ذلك من تبني عدد من مجموعات المعارضة خطاباً وسلوكاً اصوليين تصاعدياً ومذهبين لاحقاً. وتمثّل ايضاً بفقدان شعب سوريا ثقته بالغرب وبلجوئه طلباً للمساعدة إلى الدول الخليجية ولا سيما السعودية وقطر.
– الوضع البشع المخيف والخطير: وتمثّل باتساع الهوة العميقة بين مؤيدي النظام ومؤيدي المعارضة في سوريا. فكل منهما يرفض الآخر ولا يتلاقيان الا في المعركة. ففي معسكر الثوار يظهر على السطح الموقف المعادي للعلوية واستطراداً الشيعية وتبريراته. كما تظهر في معسكر المؤيدين للنظام المخاوف من الغالبية والتصميم على القتال خوفاً من القتل أو الإبادة.  

السابق
عدم تورّط حزب الله لا يعني تبرئته
التالي
ما بعد بعد ميشال سماحة