معضلة السيطرة على سيناء

كانت العملية العسكرية التي نفذتها مصر هذا الاسبوع على أثر قتل رجال الشرطة وقت افطارهم، كانت عملية حيوية لمصر واسرائيل ايضا، ومن المؤسف أنها لم تتم قبل ذلك، فقد أصبحت المجموعات الاسلامية المتطرفة في السنين الاخيرة تهديدا للسيادة المصرية في شبه الجزيرة ولاسرائيل في حدودها الجنوبية. وهي ظاهرة تجعل الدولتين ذواتي السيادة في جبهة واحدة برغم المسافة التي نشأت بينهما منذ بدأت الهبة الشعبية في مصر. وكان التعاون بينهما في السياق العملياتي أكبر من ذاك الذي تكون الدولتان مستعدتين للاعتراف به، وهذه بشرى طيبة بيقين. لكن الوضع الجديد الذي نشأ يستوجب منا جميعا تفكيرا مجددا في كون التجريد من السلاح حلا.
كان واضحا في التفاوض بين اسرائيل ومصر الذي تم في 1978 1979 ان جيش مصر كان هو التهديد المحتمل لاسرائيل، وكان الخوف من ان تحاول دبابات مصرية الوصول الى مركز اسرائيل، ولهذا كان أحد المباديء الأهم التي أصرت عليها اسرائيل هو تجريد شبه جزيرة سيناء من السلاح حتى لو كان ثمن ذلك تجريدا جزئيا جدا لسيادتها شرقي الخط الدولي.
واسرائيل التي تخلت عن قواعد حديثة لسلاح الجو في سيناء وعن المدن والبلدات التي أُنشئت فيها، فعلت ذلك لتضمن ان تبقى سيناء ارضا مجردة من السلاح (ومساحتها أكبر من مساحة اسرائيل بثلاثة اضعاف). وهكذا كما اعتقد متخذو القرارات في ذلك الوقت ستحتاج الدبابات المصرية الى زمن أطول للاقتراب من اسرائيل ولهذا سيكون عندنا زمن لتجنيد قوات الاحتياط والاستعداد، وتم الاتفاق بين الطرفين على ان تنشأ قوة متعددة الجنسيات عملها الرقابة لا التنفيذ، وهي هناك منذ ذلك الحين من غير ما عمل خاص.
تبين على مر السنين ان الجيش المصري ليس هو التهديد الامني. فقد كان الجيش هو الذي أشرب النفوس أكثر من كل جسم آخر في المجتمع المصري، أهمية الاتفاق مع اسرائيل. ان المشكلة الرئيسة هي الناس المتنقلين الذين يعيشون في شبه الجزيرة والذين تم اهمالهم كما يبدو سنين طويلة من قبل حكومات مصر ويشتغلون، أو فريق منهم على الأقل، بتجارة المخدرات واعمال الاختطاف ونقل اللاجئين من افريقيا وبالاتصال بمجموعات اسلامية متطرفة هي على يقين من كُفر كل المجموعات الاخرى.
أصبح سكان شبه الجزيرة المشكلة الحقيقية التي لم يتم التنبؤ بها حينما تم التوقيع على اتفاق السلام. وتبين ان التجريد من السلاح تحول من حل الى مشكلة. ومصلحة اسرائيل الحقيقية هي ان تمنح جيش مصر امكانية السيطرة على شبه الجزيرة ومنع البدو من فعل كل ما يرغبون فيه، لكن اتفاق السلام هو الذي يجعل هذا صعبا. كان يُحتاج الى انشاء جهاز أكثر مرونة يُمكّن المصريين من العمل في أنحاء سيناء وفي منطقة فيلادلفيا مع اتفاق مع اسرائيل.
لقينا ظاهرة مشابهة حينما كانت حكومة اسرائيل هي التي أرادت انتقال رجال شرطة فلسطينيين من منطقة الى منطقة وهم مسلحون عن طريق منطقة تسيطر عليها اسرائيل سيطرة كاملة خلافا للاتفاق المرحلي. ويُستحسن ان نتعلم من ذلك دروسا للتسويات في المستقبل لأن ما يبدو لنا انجازا كبيرا في لحظة امنية ما قد يصبح مشكلة نضطر نحن أنفسنا الى الالتفاف عليها برغم أننا نحن الذين انشأناها.
 

السابق
ايران ليست كالعراق او سوريا
التالي
ايران على حدودنا الشمالية