محطّات لحرب إقليمية أو تسوية؟

تُجمع الأوساط المتابعة للوضع السوري على أنّ الفترة الفاصلة عن نهاية الشهر الجاري موعد جلسة مجلس الأمن الدولي على مستوى وزراء الخارجية برئاسة فرنسا الداعية إليها، ستكون حافلة بالتطوّرات في الميدان وعلى الصعيدين السياسي والديبلوماسي، بما يشير إلى ما ستؤول إليه الأزمة السوريّة.

فاليوم تشهد إيران اجتماعاً في شأن سوريا تحضره 13 دولة تتصدّرها روسيا والصين ودول "البريكس" والعراق والجزائر وغيرهما، فيما تزور وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون أنقرة بعد غد السبت ناقلةً رسائل أميركية مباشرة إلى المسؤولين الأتراك تتّصل بالوضع السوري، وفي اليوم التالي يجتمع مجلس التعاون الخليجي على مستوى وزراء الخارجية في جدّة، وهو اجتماع يسبق اجتماع "قمّة التضامن الإسلامي" على مستوى ملوك الدول الإسلامية ورؤسائها في مكّة المكرّمة الثلثاء المقبل بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، وسيحضرها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على رغم التوتّر الذي تشهده العلاقة السعودية ـ الإيرانية بسبب بعض الأزمات الإقليمية المماثلة.

وقد سبق هذه المحطّات جولة الأمين الأعلى لمجلس الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي على لبنان وسوريا والعراق التي أكّد خلالها أنّ بلاده "لن تسمح بكسر محور المقاومة والممانعة الذي تشكّل سوريا ضلعاً أساسياً فيه"، وتوافق مع وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري على أنّ النزاع في سوريا "بلغ مرحلة مقلقة لدول المنطقة". وفي الوقت نفسه زار وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي أنقرة باحثاً مع المسؤولين الأتراك في تطوّرات الأزمة السوريّة، وفي قضيّة المخطوفين الإيرانيّين الـ 48 على يد "الجيش السوري الحر" في دمشق والذين حمّلت إيران الولايات المتحدة الأميركية وكلّ الدول الداعمة للمعارضة السوريّة المسؤولية عن سلامتهم.

ويرى سياسيّون أنّ كلّ هذه المحطات ـ الاستحقاقات يظلّلها مناخ يبعث على الخوف من نشوب حرب إقليمية، خصوصاً في حال حصل تدخّل عسكريّ خارجي في الأزمة السوريّة، وهو تدخّل، يقول قريبون من دمشق، إنّ واشنطن تشجّع عليه وتريد لتركيا أن تكون رأس حربته كونها الدولة العضو في حلف "الناتو" واللصيقة جغرافيّاً بسوريا، وذلك في حال لم يتمكّن مسلّحو المعارضة من تحقيق تقدّم ميداني يعدّل في موازين القوى لمصلحتهم، خصوصاً في حلب التي يريدون أن تكون عاصمة المنطقة العازلة التي يطمحون إليها، والانطلاق منها إلى الحرب مع النظام في بقيّة المناطق وصولاً إلى دمشق.

ولذلك فإنّ معركة حلب، تُشكّل بالنسبة إلى النظام إذا حسم فيها، معركة إنهاء المشروع السياسي للمعارضة، فيما معركة الرستن والقصير في ريف حمص تُشكّل بالنسبة إليه معركة إنهاء المشروع العسكري، والعكس هو الصحيح بالنسبة إلى المعارضة التي تتقلّب في المواجهة مع النظام بين المواجهات المباشرة وبين حروب الاستنزاف عبر التفجيرات والمكامن وعمليات الاغتيال وصولاً الى التشجيع على الانشقاقات العسكرية والسياسية والديبلوماسية.

ولكن على رغم كلّ هذه التطوّرات الميدانية وعلى المستوى الديبلوماسي الإقليمي والدولي، ما يزال هناك اعتقاد بأنّ الأزمة السورية قد تؤول إلى تسوية ما في لحظة ما، خصوصاً إذا بلغ الوضع حدّ نشوب حرب إقليمية يريدها البعض ويتخوّف منها البعض الآخر، يريدها الأميركي ولكن بواسطة حلفائه أو بعضهم، من دون أن يكون في الواجهة حتى لا يتأثّر الرئيس باراك اوباما سياسيّاً وانتخابيّاً على عتبة معركة تجديد ولايته في مواجهة منافسه الجمهوري ميت رومني، واقتصاديّاً في ظلّ الاقتصاد الأميركي المأزوم ومعه بعض الاقتصادات الغربيّة.

وهذه الحرب، ربّما يريدها أيضاً الحلف الإقليمي والدولي الداعم للنظام السوري من روسيا إلى الصين ودول البريكس وصولاً إلى إيران، لإدراكه نقاط ضعف الحلف الداعم للمعارضة السورية، وعدم قدرته على شنّ هذه الحرب، ولكنّه، أي الحلف الداعم لدمشق، يعتقد أنّ التصعيد، أو التلويح بهذه الحرب، ربما يقنع الفريق الآخر بأنّ لا مناص لإنهاء الأزمة السورية إلّا بتسوية أو حل سياسي قالت به مبادرة المبعوث الأممي المستقيل كوفي أنان، أو ربما يُطرح بديل لها في ضوء التطوّرات الجديدة التي تجاوزت هذه المبادرة، أو باتت تفرض تطويرها أخذاً بهذه التطورات التي كشفت أنّ الأزمة السورية لم تعُد داخلية بمقدار ما باتت أزمة دولية.

فهل تدفع المحطات ـ الاستحقاقات المماثلة في اتّجاه حلّ سياسي لسوريا؟ أم تؤدّي إلى اعتماد الخيارات الأخرى؟

إنّ غداً لناظره قريب.  

السابق
مفاجآت قريبة
التالي
مكالمات هاتفية بين لبنان ومنتجع بورغاس البلغاري