نظام الاسد في ايامه الاخيرة

ان انشقاق رئيس وزراء سورية، رياض حجاب، الذي وقع بصورة درامية، الى الاردن ضربة شديدة اخرى لنظام بشار الاسد النازف. وقد أخذ يقوى في الحقيقة انطباع انه يلوح حسم في المعركة الناشبة في سورية منذ أكثر من سنة ونصف، وان نظام بشار الاسد في لحظاته أو ايامه الاخيرة.
قبل نحو من اسبوعين تم القضاء على كبار مسؤولي الجهاز العسكري والامني في سورية الذين تولوا حتى لحظة موتهم ادارة مكافحة الثائرين على النظام السوري. وفي مقابل ذلك بدأ جيش المتمردين هجوما على العاصمة دمشق وعلى ثاني أكبر مدينة في الدولة حلب. وبرغم زعم النظام ان الهجوم قد صُد يصعب عليه في واقع الامر ان يعيد لنفسه السيطرة الكاملة على دمشق. أما أجزاء كبيرة من حلب فلم تعد تحت سيطرته. وجاء ايضا ان المتمردين سيطروا على المعابر الحدودية بين سورية وتركيا والعراق. وأُبلغ من سورية آخر الامر ان السكان الاكراد في شمال الدولة وشرقها (وهم نحو من 10 في المائة من اجمالي سكان سورية) ممن كانوا جالسين على الجدار حتى ذلك الوقت، قد حطوا عن كواهلهم نير النظام السوري، وإن لم ينضموا الى الآن الى المتمردين عليه.
تأتي هذه التطورات الحادة وقد سبقها تعزيز لظاهرة الانشقاق عن صفوف النظام من الجيش والأذرع الحاكمة الاخرى. فقد ورد مثلا في مطلع تموز 2012 ان مناف طلاس الذي تولى قيادة لواء في وحدة الحرس الجمهوري وعُرف بقربه الشخصي من بشار الاسد، قد غادر منشقا الى باريس. وظهرت لاول مرة صدوع ايضا في الفريق الدبلوماسي السوري حينما أعلن عدد من السفراء السوريين في عدد من دول العالم أنهم كفوا عن تمثيل النظام في دمشق. وهكذا فان ما بدا في بداية الهبة الشعبية في سورية مثل قطرات ضئيلة أصبح طوفانا وأصبح الجميع الآن يحاولون تخليص أنفسهم من السفينة الغارقة.
ان أهمية توالي الاحداث هذا الذي كان ذروته انشقاق رئيس الوزراء السوري أمس الى الاردن تكمن في حقيقة انه كان الحديث طوال السنة ونصف السنة الاخير منذ نشبت الهبة الشعبية في سورية، عن تدهور تدريجي وبطيء وإن يكن متتابعا وفي اتجاه واحد للوضع الامني في الدولة وعن ضعف بطيء لكن منهجي لقوة النظام. ان الثورة السورية أعوزها اذا صورة نصر تشبه صورة ملايين المتظاهرين الذين يملأون ميدان التحرير في وسط القاهرة، وهي صورة انتصار بشرت بأن المعركة في مصر قد حُسمت وبأن نظام مبارك قد بلغ الى نهاية طريقه.
من هذه الجهة يمكن ان تشهد أحداث الايام الاخيرة في سورية بأنه قد قضي الامر. وهذه هي الرسالة الكامنة فيها بالنسبة للمتمردين، وبالنسبة للنظام وأنصاره الذين بقوا الى جانبه وبالنسبة للمجتمع الدولي ولا سيما الأكثرية الصامتة، الأكثرية من الجمهور السوري الذي ظل معتزلا. اجل لا شيء كانشقاق رئيس الوزراء السني الذي يُحسن تمثيل ملايين السوريين الذين يُحسبون من الطبقة الوسطى الحضرية السنية في دمشق وحلب، ليدل على المزاج العام بين اولئك الذين كانوا يمسكون الى اليوم بمفتاح مستقبل الدولة لكنهم امتنعوا عن استعماله.
مهما يكن الامر فانه لا شك في ان الهبة الشعبية في سورية قد دخلت ايامها الاخيرة الى آخر محطة والى مرحلة جديدة قد يتبين أنها مرحلة الحسم.  

السابق
اللاجنسيون …من هم وكيف تختلف حياتهم ؟
التالي
سيناريو ايراني سيئ