مشكلات إيران ومشكلة المشرق العربي

أُعلن عن أمرين في الوقت نفسه: مجيء جليلي سكرتير المجلس القومي الإيراني إلى بيروت. وسعي إيران لعقد اجتماع من أجل سوريا بطهران يتكون من عشرة «دول مؤثرة». وجليلي الذي تشمل مهامه التفاوض أيضاً على الملف النووي الإيراني، يدل إرساله الى بيروت على الأهمية التي تعطيها إيران للملف السوري – أو الأحرى القول إن إيران تعتبر الثورة في سوريا خطراً عليها، مثل خطر الحصار من أجل الملف النووي. وهذا الفهم والإدراك إحدى مشكلات إيران منذ قررت أن تكون دولة كبرى أو مؤثرة، ومنذ تشاركت مع الولايات المتحدة في تقاسم المنطقة العربية بعد احداث سبتمبر 2001. وقتها كانت العلاقات الأميركية – الإيرانية تتقدم في ظل رئاسة محمد خاتمي، وكان «الإرهاب العربي» هو الذي ضرب الولايات المتحدة، فأعطيت طموحات ايران للبروز فرصة كبيرة انتهزتها أيام نجاد وسيطرة الحرس الثوري على الخصوص. لكن الأميركيين الذين قدموا باليمين على حساب العرب في كل مكان غيّروا فكرهم بعد العام 2008، واكتمل ذاك التغيير بوصول اوباما للرئاسة. ما سلّم أوباما بالنووي الايراني. ويتبين منذ مدة انه ما سلّم بالمقايضة بين النووي والنفوذ الايراني في المشرق العربي والخليج. لكن المحافظين الايرانيين الجدد مصرون على كل شيء، على السيطرة على المشرق العربي والخليج، وعلى النوويات.

لقد اجتمعت على إيران الثورية الآن عدّة أزمات: أزمتها الكبيرة مع المجتمع الدولي بسبب النووي، وأزمتها الكبيرة أيضاً مع العرب بسبب عدائها للثورات العربية، وإصرارها على السيطرة والتقسيم، وأزمتها في التنمية وبناء الدولة، وهي قاسية ومستعصية. ولا يمكن الزعم بالطبع أن العلاقات الحسنة أو السيئة بين إيران والولايات المتدة لا تعنينا. إنما من ناحية أخرى بالفعل، فان تلك العلاقات ما عادت أولوية لدينا. مشكلتنا الآن واحدة ووجودية وهي التغيير باتجاه الاستقلال وعدم التبعية، والتغيير باتجاه الديمقراطية واستعادة النّاس لإدارة شأنهم العام. ما استطاعت الفترة الماضية أن تحل المشكلات او راكمتها. وكل عربي يعتبر الآن ان التغيير الجاري هو المدخل للحرية والتقدم من جهة، وحل المشكلات المتراكمة من جهة ثانية.

وما عُدنا بالفعل نفهم السياسات الإيرانية. نحن نعتقد أن ما تقوم به إيران في النوويات، وفي مناطق النفوذ هو ترف من الترف البغيض. لكن هذا لا شأن لنا به أيضاً إلا بمقدار ما يتعلق بما تحاول فعله ضد شعوبنا وبلداننا وبعناوين كاذبة او متعالية. نحن ادرى بما ينبغي عمله في فلسطين، وما كنا قادرين أيام الأسد ومبارك، لكننا سنكون قادرين أو نأمل ذلك الآن اكثر من أي وقت مضى. ونحن أدرى بمصالح العراق وسوريا ولبنان وفلسطين من جليلي أو نجاد أو الجنرال سليماني حفظهم الله جميعاً!.

لقد سمّم صدام حسين، وسمّمت حروبه علاقات إيران بنا. وتُسمّم الآن تصرفات المسؤولين الإيرانيين وحزب الله، علاقات الشعوب العربية بإيران، إن تغيير النظام في سوريا هو قضية حياة ومستقبل بالنسبة لنا نحن في بلاد الشام. ولا نفهم ولن نفهم كيف تتحقق مصالح الإسلام والمسلمين ببقاء نظام الأسد!.

نحن لا نرحّب بجليلي، ولا بمجيئه إلى بيروت أو غيرها من البلدان العربية حتى لو ادعى الحرص على استقلال لبنان واستقراره. ووجهة نظرنا الآن ما كان يقوله الأحنف بن قيس في القرن الهجري الأوّل على اثر الفتوحات: يا ليت بينا وبينكم جبلاً من نار فلا تأتون إلينا، ولا نذهب إليكم! لقد أردتم (بزعمكم) إتعاب أميركا وإسرائيل، والذي حصل أنكم أتعبتم أنفسكم وأتعبتمونا وجرّأتم الأعداء علينا وعلى أنفسكم. ولا حول ولا قوة إلا بالله.  

السابق
سورية بين الحرب والحرب الإعلامية
التالي
شارل العشي بطل غزو المريخ