إيران تريد وإسلاميو سوريا لا يريدون!

المواقف الرسمية التي اعلنها قبل يومين في بيروت أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني سعيد جليلي لم تكن جديدة. فدعم بلاده المقاومة و"حزبها" في لبنان امر قديم ومستمر، وكذلك اعتبارها عنصر توازن بين لبنان واسرائيل وعنصر استقرار داخل لبنان. هذا فضلاً عن تمسكها بأن هدفها محاربة الصهيونية واميركا واسترجاع فلسطين. طبعاً حملت مواقف جليلي شيئاً من الجدَّة مثل التشديد على ان ثورتها كانت أساس الصحوة الاسلامية في العالم العربي، ومثل ان دفاعها عن نظام الاسد في سوريا سببه دعمه المقاومة.
كيف ينظر الاسلاميون السنّة على تنوع انتماءاتهم ونظرياتهم الى مواقف ايران التي كرر التعبير عنها جليلي قبل يومين؟

يعتقد قسم كبير منهم، استناداً الى مصادر اسلامية سنّية جدية ومطلعة بدقة على الواقع الاسلامي في لبنان، ان المواقف المذكورة اقرب الى "البروباغندا" اي الدعاية، منها الى المواقف الايديولوجية. فايران اسلامية في رأيهم لها في سوريا آل الاسد، وخصوصاً منذ تسلَّم الزمام فيها نجل المؤسس الراحل حافظ الاسد (الدكتور بشار)، وضع خاص بالغ الارتياح وبالغ الاتساع. ومن الامثلة على ذلك الامتيازات التي حققها لها النظام في مطار دمشق الدولي. اذ وضع في تصرفها قاعة خاصة داخل المطار ومسرب خاص لها يديرها عملياً ايرانيون يعملون مع سفارتهم في العاصمة السورية. ويتولى هؤلاء الاشراف على المسافرين الى طهران من ايرانيين وغير ايرانيين وخصوصاً إذا كانت وسيلة نقلهم ايرانية. ويُمكِّنهم ذلك من تسفير الذين يحملون جوازات سفر والذين لا يحملونها، والذين لديهم تأشيرات دخول لايران والذين ليس لديهم تأشيرات.

طبعاً الى المثل المذكور هناك امثلة اخرى قد تكون اكثر جدية وعمقاً. لكن المصدر الاسلامي الجدي والمطلع يكتفي به لانه يريد الانتقال الى موضوع آخر مهم جداً، وهو ان ايران الاسلامية، حليفة سوريا بل حليفة نظام الاسد الحاكم منذ نيف واربعة عقود، ليست ساذجة وتعرف تماماً حقيقة ما يدور في هذه الدولة، وتدرك ان النظام يتراجع رغم استشراسه في الدفاع عن نفسه، وان الثوار يتقدمون وسيستمرون في ذلك رغم ضعف امكاناتهم جراء "تنقيط" المجتمع الدولي المساعدات العسكرية والمالية لهم حتى الآن. وتعرف ايران ايضاً ان سقوط النظام في النهاية غير السريعة وغير القريبة على الاطلاق لا مفر منه، وأن البديل منه سيكون اسلامياً في صورة عامة. علماً ان ملامح هذا البديل ومدى اسلاميته ونوعية هذه الاسلامية، لا تزال مجهولة. لكن الحالة "الاخوانية" ستكون في رأي ايران الاقوى داخل سوريا الجديدة. وربما يكون ذلك في رأيها افضل من سيادة التيارات التي ترفع لواء السلفية الذي يغطي مواقف تكفيرية وعنفية من مسلمين وغير مسلمين. لهذا السبب تريد ايران، يقول المصدر نفسه فتح حوار مع "الاخوان" السوريين بواسطة "اخوان" لبنان. وقد يكون ذلك مضمون الرسالة التي نقلها سفيرها في لبنان الى قيادة هؤلاء في بيروت. أما الهدف من الحوار فهو التفاهم مع سوريا الجديدة على وضع لايران في سوريا مماثل في خصوصيته واتساعه لوضعها داخل سوريا القديمة التي تقترب من الانهيار. وطبعاً، يضيف المصدر اياه، لن ينجح ذلك لان ايران هي جزء من "المشكلة" في سوريا كما في لبنان والعالم العربي اجمالاً. وبصفتها هذه لا تستطيع ان تكون جزءاً من الحل. فالسوريون عموماً وخصوصاً ابناء غالبيتها السنّية من اسلاميين وغير اسلاميين، يثمنون جيداً مساعدتها "حزبها" في لبنان لتحرير الاراضي التي احتلتها اسرائيل منه، لكنهم يعتبرون ان لها استراتيجية تقوم على "استعمال" العرب لتحقيق هدفين: الأول، التحول القوة الاقليمية الاسلامية الاولى في المنطقة العربية بل صاحبة الكلمة الاولى فيها. والثاني، ليس تشييع اهل هذه المنطقة لأن ذلك مستحيل، بل جعل الشيعة حيث هم اصحاب النفوذ الاول والتشجيع على الاقتراب منهم.

لو بقي مؤسس النظام الاسدي حياً هل كانت وقعت سوريا في "التماهي" التام مع ايران، او بالأحرى جزءاً من شركة معها من دون حصة كبيرة في قرارها؟ كلاّ، يجيب المصدر الاسلامي السنّي الجديد والمطلع. فهو اولاً كان يريد حلاً مع "اخوان" بلاده قبل مأساة "حماة". لكن هؤلاء اعتبروا موقفه هذا، بعدما ابلغه اليهم "اخوان" لهم لبنانيون، دليل ضعف فلم يتجاوبوا. وهو ثانياً كان حريصاً على المحافظة على خصوصية طائفته بعدما لمس بدء ايران الاسلامية حليفته حملة تشييع لابنائها، واتخذ خطوات عدة لوضع حد لذلك.

 

السابق
عن المقاومة وعمى الألوان
التالي
“الراي”: شركات ميقاتي تسبّب مشكلة انتخابية لأوباما