دلالات المبالغ والأرقام في لبنان

يسبح لبنان في بحر هائج، وسط الامواج المتمايلة صعودا وهبوطا، تعاكس الرياح اشرعته فيسير بالاتجاه الذي لا يرغب فيه، وسرعان ما يتبين ان «رب ضارة نافعة» ويتكيف مع خصوصية المرسى الجديد.

الاوضاع السياسية والامنية المضطربة المحيطة بلبنان ـ من جهة تهديدات العدو الاسرائيلي في الجنوب، ومن الجهة الشرقية والشمالية حيث البركان المشتعل في سورية الشقيقة ـ ترخي بظلالها على بلاد الارز، وتنعكس عدم استقرار في «حوضه»، في السياسة وفي الامن وفي الاقتصاد.

الصعوبات الاقتصادية التي انتجتها الازمة المستجدة تربك الساحة اللبنانية في مشكلات قاسية، منها المطلبي المحق، ومنها المزمن او المستعصي على الحل، سواء كانت الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي، ام برئاسة غيره، وسواء كانت حكومة اكثرية، ام حكومة وفاق وطني، فتأثير التوتر في سورية ـ وخاصة على الصادرات اللبنانية ـ قاس ومؤلم على الاقتصاد اللبناني، مهما كان شكل الحكومة.

مقاصة المبادلات السلبية والايجابية لما يحصل تظهر مفاجآت تحملها الارقام ذات الدلالات الاقتصادية والمالية العالية، منها السلبي ومنها الايجابي، تتعايشان تحت سقف واحد.

تراجعت الصادرات الصناعية اللبنانية في النصف الاول من العام الحالي بنسبة 12% عما كانت عليه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، وانخفضت الصادرات الزراعية بنسبة 28%، وتراجعت السياحة 24%، وتدنت المبيعات العقارية بنسبة 7.5% عن الفترة ذاتها، كما زاد العجز في الميزان التجاري 18.5%، وانخفضت الاستثمارات الاجنبية من 4.95 مليارات دولار في العام 2010 الى 3.9 مليارات في العام 2011، وهي مرشحة للانخفاض اكثر هذا العام، والانكماش يتزايد في الاسواق، ناهيك عن المؤشرات السلبية التي ظهرت على مستوى الثقة في الاسواق الاستهلاكية.

وبينما تقدر موازنة 2012 المقترحة العجز بـ 5568 مليار ليرة لبنانية، بزيادة لا بأس بها عن عجز آخر موازنة تم اقرارها في العام 2005، يتطلب اقرار سلسلة الرتب والرواتب، الضرورية ما يقارب هذا المبلغ زيادة عن الملحوظ بالموازنة، كما ان هناك مبالغ كبيرة مستحقة كديون على الخزينة ليست متوافرة في الحسابات الجارية، ولا يعني هذا تبرير الزيادة الضرائب او الرسوم، الا ان منطق الامور يفرض التوقف عند هذا الامر لناحية وجوب تأمين موارد جديدة، قد يكون عن طريق زيادة الرسوم على استثمار الاملاك البحرية او غيرها، حيث تدفع شركة سوليدير 2500 ليرة لبنانية فقط ايجارا سنويا عن المتر المربع المقدر سعره بـ 25000 دولار، وهذا على سبيل المثال وليس الحصر.

وفي المقلب الايجابي (والمدهش) تبين الارقام إنخفاض نسبة الدين العام الى الناتج المحلي من 150% عام 2005 الى 113% لهذا العام.

وتحمل الارقام الايجابية ايضا، تفاؤل تقديرات نمو الناتج المحلي الاجمالي الى حدود 49.5 مليار دولار في العام 2012، وبعد موجة التشاؤم التي وصلت بنسبة النمو الى ما دون 1.5% في العام 2011، يقدر المتابعون ارتفاع هذه النسبة، ورغم الظروف الصعبة الى نحو 3.5% في العام 2012.

ما اسباب عوامل التفاؤل، او نقاط القوة في الاقتصاد اللبناني؟

٭ موجودات المصارف حتى نهاية مارس الماضي، بلغت 144.7 مليار دولار، والودائع فيها تجاوزت الـ 118.2 مليارا.

٭ قروض البنوك للقطاع الخاص بلغت 41 مليار دولار.

٭ 16 مليار دولار حجم اعمال قطاع الضيافة والخدمات.

٭ أرباح 3 مصارف عن 6 أشهر من 2012 (475.67 مليون دولار).

٭ لدى لبنان 286.8 طن احتياط من الذهب، وهو الثاني عربيا في هذا المجال بعد المملكة العربية السعودية، وفي المرتبة 17 عالميا.

لبنان كطائر الفينيق الذي يخرج من بين الرماد ليؤدي رسالته، فهل يتفهم ابناؤه الرسالة، ويتمعنوا مليا في دلالات المبالغ والارقام؟
  

السابق
رسالة سيناء…
التالي
الكتيبة الإيطالية تُدشن طريقاً في الجبين