ماعلاقة الفتاة وجدان الشهرخاني بأحداث القطيف؟

– I –
هل ثمة علاقة ما بين الفتاة السعودية وجدان علي سراج عبد الرحيم شهرخاني ذات الستة عشر ربيعاً وبين أحداث القطيف الدموية المؤسفة؟
أجل، حتماً. لكنها مثل العلاقة بين السماء والأرض. بين الجنّة والنار. وبين الخير والشر. أو حتى مثل المسافة بين كوكبنا الأزرق والمريخ.
على أي حال، سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل.
قبل ذلك لابد من الإشارة إلى ألى أن اشتراك وجدان في دورة الألعاب الأولمبية كأول إمرأة سعودية في التاريخ تفعل ذلك، كان له معانٍ رمزية كبرى وربما أبعاد مستقبلية أكبر. فهو رمز بشكل من الأشكال إلى تحرر الإنسان- المرأة السعودية من قيود القرون الوسطى، وإلى انطلاقها نحو رحاب حياة تتفتح فيها ألف وردة، وتتنفس فيها ألف زهرة ياسمين. وهو (الاشتراك) ربما يحمل في طياته بشائر قيامة طائر الفينيق الأنثوي السعودي من بين رماد القمع والأسر. وهي بشائر تعني المجتمع السعودي برمته.
فحين تبدأ المرأة السعودية رحلتها التاريخية نحو استعادة حقوقها الإنسانية وإطلاق كل طاقاتها الإبداعية، ستنبلج ثقافة وهوية جديدتين لدى النصف الأخر من المجتمع (الذكور) لبناتها الرئيس الحرية والديمقراطية، والمواطنة الحقة، والوطنية الحقة.
بالطبع، العقبات كبيرة وكأداء أمام هكذا تحوُّل. لكنها كلها في الواقع عقبات "ثقافية" إذا جاز التعبير. فالتفسيرات الدينية التي تُقدَّم لتبرير منع المرأة من ممارسة حقوقها الطبيعية والإنسانية (من قيادة السيارات وممارسة الرياضة في المدارس والنوادي وحتى من مشاهدة المباريات الرياضية، إلى فرض وصاية ذكورية مطلقة على كل مناحي حياتها، مروراً بحرمانها من حرية التنقل والسفر وممارسة العديد من الأعمال)، لاعلاقة لها بالاسلام الحقيقي.
الدين الإسلامي، في جوهره ونصوصه، جاء ليكرَّس التسامح وليقبل التعددية بين البشر. وهكذا كانت كل الامبراطوريات الإسلامية، من الأمويين إلى العثمانيين، أول كيانات سياسية في التاريخ تقبل وتقر وتحمي التعايش السلمي بين الأديان والمذاهب والأعراق، فيما كانت معظم الحضارات والامبراطوريات الأخرى تفتك بكل من يرفض الالتحاق والاندماج بدينها وقوانينها(الكاثوليك الفرنسيون ذبحوا في ليلة واحدة 100 ألف بروتستانتي من مواطنيهم، والأوروبيون دمروا كل حضارات القارة الأميركية "غير المسيحية").
والأهم أن الدين الإسلامي نسف التمييز العنصري بين البشر بكل ألوانهم السمراء والبيضاء والصفراء، فلم يعد هناك فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.
فهل يُعقل بعد كل ذلك أن يُواصل أرباب التفسيرات القروسطية الجامدة فرض تمييز عنصري على النساء المسلمات اللائي يشكّلن أكثر من نصف المجتمع، إلى درجة أن تحتل المملكة المرتبة 131 من أصل 135 دولة في التقرير العالمي لفجوة النوع الاجتماعي (بين الجنسين)؟ وهل من المقبول أن تموت 15 طفلة في حريق نشب في مدرسة في مكة المكرمة العام 2002، بعد أن منعهن المطاوعة من الهرب من ألسنة اللهب، كما منعوا رجال الإطفاء من إنقاذهن، لأن الفتيات كنّ حاسرات الرؤوس ولاترتدين العباءات المطلوبة في الأماكن العامة؟

– II –
التبريرات التي تقدّم لالقاء القبض الدائم على المرأة السعودية هو أن هذا "تكريم وحماية لها" من الأخطار والاعتداءات. لكن، ألا يعني ذلك أن المرأة أشبه بالطفل او القاصر؟ الأمر يشبه تماماً اصدار حكم السجن المؤبد على شخص، بذريعة حمايته من مخاطر المجتمع خارج الزنزانة؟
دخول الفتاة وجدان إلى الأولمبياد رمز إلى ضرورة التحرر من كل هذه الموبقات الثقافية والعادات المتكلسة التي لاتزال تبتلي بها المملكة السعودية. ومثل هذا الترميز رسم صورة مُتخيّلة مشرقة للبلاد ليس فقط في العالم، بل حتى في داخل البلاد، حيث كان هذا الحدث مؤشراً على الصراط القويم الجديد الذي يجب أن تسير عليه هذه المملكة: الانفتاح على العالم ليس بالتكنولوجيا فقط بل أولاً وأساساً بالبشر؛ التوقف عن اعتبار أمهاتنا وبناتنا "إنسان ناقص" أو حتى نصف بشري ومساواتهن الكاملة بالذكور؛ وإطلاق روح الحوار والتسامح والحرية من عقالها في البلاد.
-III –
نعود الآن إلى سؤالنا الأولي: هل ثمة علاقة ما بين وجدان علي سراج عبد الرحيم شهرخاني وبين أحداث القطيف الدموية؟
أجل. فكما أن مشاركة هذه الفتاة في الاولمبياد رمزت إلى الطريق المؤدي إلى الاستقرار الحقيقي في المملكة المستند إلى قيم الحرية والعدالة وقبول التعددية، كذلك أشار عنف القطيف إلى مخاطر غياب مثل هذه القيم.
صحيح أن بعض أطياف المعارضة في المنطقة الشرقية تخطيء كثيراً حين تفصّل مطالبها على قد ثوبها الطائفي، وحين تعزل هذه المطالب عن الحركة العامة المطالبة بالمواطنة الحقة والمشاركة الحقة في باقي مناطق البلاد، إلا أن هذا ليس مبرراً كي يكون رد فعل السلطات القمع والاعتقالات والاتهامات بالعمالة لإيران.
ثمة مطالب مُحقّة لمواطني المنطقة الشرقية بصفتهم مواطنين. لكن حين تُطل عليهم السلطات بصفتهم شيعة (وأحياناً روافض وكفرة)، لن يكون أمام هؤلاء سوى بالاستعانة بكل انواع الشياطين (وليس فقط "الشيطان الفارسي") لاستخلاص حقوقهم. حدث هذا في جنوب لبنان العام 1982، حين رش الشيعة هناك الأرز على الجنود الإسرائيليين بعد ان عانوا الأمرين من تجاوزات المقاومة الفلسطينية؛ وتكرر هذا الأمر في ليبيا حين ارتمى الثوار في أحضان حلف الناتو "الكافر" هرباً من مذابح العقيد القذافي. وقد يتكرر الآن في سورية.
الحل "الوجداني" (تيمناً بالفتاة وجدان) هو الخيار السليم في المنطقة الشرقية. كما هو الخيار السليم في كل أرجاء السعودية.
فدعوا ألف وردة تتفتح، ليس فقط في الأولمبياد أمام أعين العالم، بل أمام أعين المواطنات والمواطنين السعوديين أولاً وقبل أي شيء.

السابق
حرييت: طلاس يجري محادثات في مقر الخارجية التركية للحصول على دور بسوريا
التالي
علويو سوريا أمام قرار مصيري “أخير”