كلمة سر

بسحر ساحر وكأن هناك يد خفيّة، تدحرجت الحلول للأزمات المزمنة التي أرخت بظلالها على الحكومة وأدّت إلى تلاشي سمعة الدولة، وهيبتها حتى بات الكبار والصغار، يفتشون في دفاترهم عنها ويسألون أصحاب الفخامة والسعادة والسيادة عما إذا كانت الحكومة ما زالت موجودة، أم أنها في حالة موت سريري، تنتظر من يُعلن وفاتها بصورة رسمية.

فبعد فكّ إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ الأسير إعتصامه، وتفكيك الخيم بهدوء، وانتفاء كل الأسباب التي أملت عليه هذا الاعتصام، مع اعتذار أوشبه اعتذار عن الأذى الذي ألحقه هذا الاعتصام بأهالي المدينة وتجارها واقتصادها، وبعد تعليق أو تأجيل أهالي المخطوفين الـ 11 في سوريا تحركهم، وقطع طريق المطار احتجاجاً على لا مبالاة الحكومة وكل السلطات الأخرى بقضية أبنائهم المخطوفين، وعدم اكتراثهم بالضرر اللاحق بهم، جرّاء إبقائهم عند الخاطفين، أعلنت هيئة التنسيق النقابية وقف مقاطعة تصحيح مسابقات الامتحانات الرسمية في ضوء وعد كما يُقال، حصلت عليه من مجلس الوزراء ومن اللجنة الوزارية التي عهد إليها مجلس الوزراء النظر في قضيتهم والعمل على معالجتها، بتنفيذ مطالبها المتصلة بالسلسلة بعد التوافق في شأنها خلال اجتماعها مع اللجنة الوزارية أمس الأول، مع أنها، ومن باب الحيطة حذّرت من استئناف تحركها ومقاطعة التصحيح في الدورة الثانية إذا لم تقرّ الحكومة سلسلة الرتب والرواتب حتى نهاية الجاري كما وعدت بذلك اللجنة الوزارية.

وتزامنت كل هذه الحلول، مع إنجاز اتفاق سياسي حول قضية المياومين وجباة الإكراء في مؤسسة كهرباء لبنان، تلك القضية التي شغلت الدولة بكل رموزها على مدى أكثر من شهر، وكادت أن تطيح بتحالفات وتفاهمات استراتيجية بين قوى الثامن من آذار، وتهدّد مصير حكومة هذه القوى، وتُعيد عقارب الساعة إلى الوراء بل وتخلط الأوراق السياسية، وتعهّد المياومين لرئيس الحكومة ولكافة المسؤولين بفك اعتصامهم، اعتباراً من صباح اليوم الجمعة، وإخلاء مبنى مؤسسة كهرباء لبنان من كل العناصر، في مقابل تعهّد المؤسسة ووزير الطاقة بدفع الرواتب المتأخرة حتى آخر شهر تموز بما فيها أشهر الإضراب وفتح باب العقود مع شركات مقدّمي الخدمات لمن يرغب، إلى باب التعويضات وفق القانون وإيجاد حوافز لمن يرغب في ترك العمل مع منح الحق للراغبين في التعاقد مع الشركات وغير الراغبين في الاشتراك بمباراة التثبيت.

ما هو سر هذا الانفراج الواسع، وخروج الحكومة من كل هذه المآزق سالمة معافاة، هل هناك كلمة سر وزّعت فجأة على الفرقاء المعنيين، وكانت بمثابة السحر الذي لا يمكن لأي أحد مواجهته، أم أن الأطراف التي كانت في حالة كباش وشدّ حبال اكتشفت أن لا أمل في أن يسجّل أي فريق انتصارا على الفريق الآخر ويبقى هو سالما، أو خارج السفينة وهي تغرق، أم أن يداً خارجية إقليمية أو دولية أوعزت الى كل الأطراف بوجوب الكفّ عن هذه اللعبة والانخراط في اتفاق على تجاوز الأزمة، والاحتفاظ بهذه الحكومة التي لا بديل عنها في هذه المرحلة، بوصفها تشكل صمّام أمان لهذا البلد الذي يتعرّض لأكبر هجمة لإغراقه في الأزمات الداخلية، وانزلاقه الى الفوضى؟

لا شك في أن هناك أمراً ما قد حصل حتى تفككت العقد بهذا الشكل السريع، وأزيلت العقبات من طريق الحكومة التي كادت أن تقع في المحظور، ولعل المواقف الدولية من الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة الأميركية إلى غيرهما من الدول التي عبّرت عن دعمها للحكومة ولسياسة النأي بالنفس التي تعتمدها دليل كافٍ للوصول الى مثل هذه النتيجة الشبيهة بالسحر.
 

السابق
أسر حلم الأسير
التالي
ما بعد كوفي أنان:حرب بلا أقنعة