فتـاة الثـوب العـاري

مشت على رؤوس أصابع قدميها، محاذرة إيقاظ أشقائها في الغرفة المواربة، ثم دنت من أذن أمها، وهمست: «سيلينا تعرّضت لحادث سير، إنها في المستشفى الآن. سأستقل سيارة أجرة، وأتوجه إلى هناك».
نهضت الأم من فراشها مذعورة، ورمقت ساعة الحائط بنظرة سريعة.
كانت تشير إلى الثانية والربع فجراً. ربتت على كتف ابنتها، وقالت بنبرة مضطربة: «سأبقى مع الأولاد، طمئنيني عنها». أومأت الفتاة برأسها، وغادرت المنزل بخطوات مسرعة.
وفيما كانت واقفة عند ناصية الشارع المقفرّ، تنتظر مرور سيارة أجرة، مرّ من أمامها، سيراً على القدمين، رجل ثلاثيني. حدّق في وجهها لبرهة، فزمّ شفتيه ورفع حاجبيه مستغرباً، ثم أكمل طريقه، وقال محدثاً نفسه: «إنها ابنة الجارة الجديدة».
كانت الفتاة، وهي عشرينية سمراء لها وجه طفلة بعينين صغيرتين، تقف شابكة ذارعيها، تحررهما تارة وتشبكهما تارة أخرى، مستغرقة في التفكير بمصير صديقتها سيلينا، إلى أن وصلت سيارة أجرة، واستقلّتها.
ترافق وصولها مع خروج الطبيب من غرفة العناية الفائقة. سمعته يقول لشقيقة سيلينا: «إنها بخير، ثلاثة أيام وتعود مثل حصان حديث الولادة». ارتاحت الفتاة، ومكثت نحو ساعة إلى جانب شقيقة صديقتها. ودّعتها، استقلّت سيارة أجرة، عادت إلى المنزل، طمأنت أمها، ونامت.
في الصباح الباكر، وبينما كانت زوجة الجار الثلاثيني، وهي سيدة تكبره بسبع سنوات، تنقل قدور الفطور إلى مائدة الطعام، قال زوجها، بعد تحية الصباح، متثائباً: «لقد شاهدتُ ابنة الجارة الجديدة، فجر اليوم، تقف وحيدة عند ناصية الطريق، كما لو أنها تنتظر عشيقها».
تجمّدت الزوجة في مكانها، ثم جلست على الكرسي، ثم وقفت ودفعت بلوزتها القطنية إلى الأمام، بأطراف أصابعها، مطلقةً زفرة تعويذة سريعة، وسألت: «وحيدة، فجراً؟! ماذا كانت ترتدي؟ وهل شاهدتَ الشاب الذي أقلّها؟». أومأ الرجل إليها بأن تجلس.
وبينما كان يمسك رغيف خبز بيد، وملعقة نصف صدئة بيده الثانية، أجابها من دون أن يرفع نظره عن المائدة: «لا أذكر لأنني لم أنتبه، ولم أشاهد أحداً يقلّها. كانت واقفة وحيدة، إلى جانب ظلّها، فقط». هزّت الزوجة برأسها.
بعد مرور نحو نصف ساعة من مغادرة الرجل، متوجهاً إلى عمله، وصلت، تباعاً، ثلاث سيدات يقطنّ في المبنى ذاته، وكانت ابتسامات الصباح تعلو وجوههن.
مالت الزوجة برأسها بحركة درامية بطيئة، ولوّحت بيديها في اتجاهين معاكسين، ثم قالت بصوت هادئ: «إننا نعيش في آخر الزمان، فقد شاهد زوجي، فجر اليوم، ابنة الجارة الجديدة، تقف وحيدة عند ناصية الشارع، مرتدية ثوباً أحمر اللون، وتنتظر عشيقها!».
فغرت السيدات الثلاث أفواههن وحدّقن، بدهشة، في وجه الزوجة، بينما كانت هي تسكب القهوة في فنجانها الخزفي، إلى أن رفعت رأسها وأردفت: «فلنتحدّث في موضوع آخر، وددتُ إخباركن بما سمعت. إننا نعيش في آخر الزمان».
حلّ موعد الغداء، في منزل إحدى الجارات الثلاث، عند الثالثة والنصف. كانت الجارة سيدة شقراء لها صوتٌ جهوري، إذ تدّخن في اليوم علبتي سجائر من التبغ الوطني، وهي ممّن يهمسن بصوت عال، ويصرخن بصوت هامس.
قالت الشقراء، لزوجها، همساً: «لقد شوهدت ابنة الجارة الجديدة، فجر اليوم، تقف عند ناصية الشارع، مرتدية ثوباً أصفر اللون، يلامس ركبتيها، واستقلت سيارة حديثة الطراز، كان يقودها شاب عشريني!».
أوعز الزوج لطفله، بحركة يد سريعة، أن يجلب له كوب ماء من المطبخ. راقبه بهدوء، ولمّا غاب عن ناظريه، قال للزوجة: «انتبهي من قول مشاهد إباحية أمام الطفل! المهمّ، قلتِ إنها كانت ترتدي ثوباً يلامس ركبتيها، فجراً، واستقلت سيارة يقودها شاب، فجراً؟!». هزّت الزوجة برأسها، وعاد الطفل حاملاً كوب الماء.
عند السابعة والربع مساء، وبعدما فرغ من تدريس طفله، نزل الرجل إلى منزل جاره، متأخراً ربع ساعة على موعد مباراة الشطرنج.
رفع بيدقاً أبيض اللون ولوّح به، كما لو أنه يقرع جرساً يدوياً، وقال: «إننا نعيش في آخر الزمان»، لكن الجار لم يكترث لعبارة الرجل، إذ كان يحدّق في البيدق المعلّق بالهواء.
وفيما كان يثبته في مربّع أسود اللون، أعلن الرجل: «فجر اليوم، ترجلت ابنة الجارة الجديدة من سيارة فارهة، كان في داخلها ثلاثة شبان، مرتدية ثياب البحر. يقولون إنها كانت في حفلة شاطئ ليلية.. من تلك الحفلات!».
رفع الجار حاجباً إلى الأعلى، وحدّق في عيني الرجل، سائلاً: «ثم؟»، فأجابه وهو يهزّ كتفيه: «لا شيء. ترجلت من السيارة، وتوجهت إلى منزلها، لوحدها طبعاً، لكن بثياب البحر، فجراً!».
عند التاسعة والنصف ليلاً، وبينما كان الجار يخبر زوجته، بزهوّ، عن فوزه الكاسح على الرجل، أشعل سيجارة وقال بنبرة احتفالية: «أوه، هل عرفتِ أن ابنة الجارة الجديدة، كانت ترقص فجر اليوم، عارية، مع خمسة شبان، عند ناصية الشارع؟».
 
 

السابق
تدمير دمشق وحلب: مسؤولية المعارضة ودولها
التالي
أوغلو وبارزاني: سنواجه محاولة متشددين استغلال الفراغ في سوريا