67 عاماً من الشرف والتضحية والوفاء.. واثـق الـخـطـوة يـحـمـي الـوطـن

في عيده السابع والستين، ما برح يملأ الوطن، ومعه تكبر أحلامه وبه تتحقّق فتتجلّى قِيمه، ويلمع اسمه وضّاءً في سماء الحضارة.
ينتشر ساهراً على كامل مساحة البلاد، فتقصر معه المسافات وتتقلّص المساحات، وتزهر الدروب الوعرة خيراً.
إنه جيش الشرف والتضحية والوفاء، ملتزم قَسَمه عنه لا يحيد. يبذل العرق والدم دفاعاً عن كلّ ذرّة تراب، وحفاظاً على كلّ مواطن، وصوناً لقيم لبنان وحضارته.
مستعد دائماً لمواجهة الأخطار والتحدّيات، وعليه يستقرّ رهان اللبنانيين في أداء الواجب الوطني الكبير، سواء على الحدود الجنوبية في مواجهة العدوِّ «الإسرائيلي»، أو في الداخل لوأد الفتنة التي تطلّ برأسها من حين إلى آخر، كما لحفظ الأمن وهو الحق الطبيعي للمواطن.

لم يكن الجندي اللبناني منفصلاً عن مجتمعه في أي يوم من الأيام، فهو، إلى دفاعه عن بلاده وأهله يتابع أيّ عمل من شأنه الإسهام في نهضة لبنان، في السلم كما في الحرب. وهذا ما جرى خلال الحرب العالمية الأولى، حين جهد الجنود اللبنانيون وسعهم في تأمين وصول مساعدات المغتربين إلى أهلهم وذويهم في المناطق التي اجتاحتها المجاعة والأوبئة والأمراض. وتطوّع هؤلاء في ما عرف بـ«فرقة الشرق» التي أنشأتها السلطات الفرنسية، مؤلفين من خلالها كياناً عسكرياً لبنانياً تطوّر يوماً بعد آخر، حتى العام 1926، حين أنشئ «فوج القنّاصة اللبنانية» الذي شكّل نواة الجيش اللبناني في المراحل اللاحقة.

حرص العسكريون اللبنانيون على تغليب مصالح بلدهم على أيّ مصلحة أخرى، وتجنّبوا في كلِّ عمل قاموا به أن يكونوا أداةً لتحقيق أهداف الأجنبي، خصوصاً في ظل خلافات خارجية لا دخل لهم بها، سواء بين الفرنسيين والإنكليز، أو بين الفرنسيين أنفسهم، ووقّعوا وثيقة تاريخية شهيرة في ذوق مكايل أقسموا فيها أنهم لن يعملوا إلاّ في سبيل لبنان، ولن تكون لهم علاقة إلاّ مع حكومته الوطنية.

قبيل إعلان استقلال لبنان في 22 تشرين الثاني 1943، ضُمّت القطع العسكرية اللبنانية المختلفة في وحدة كبرى، هي اللواء الخامس. وبعد الاستقلال بقليل، شكّلت الحكومة اللبنانية وفداً رسمياً لمفاوضة الفرنسيين حول تسلّم الجيش اللبناني. وبنتيجة المفاوضات، صدر عن هيئة أركان حرب القيادة المختلطة الفرنسية ـ الإنكليزية قرار قضى بانتقال الجيش اللبناني الذي كان عديده آنذاك 2676 رتيباً وجندياً باستثناء الضباط إلى كنف الدولة اللبنانية المستقلّة، وذلك اعتباراً من الساعة صفر من أول آب عام 1945، وعُيّن فؤاد شهاب قائداً له، وسليمان نوفل رئيساً لأركان حربه. وفي هذا التاريخ رُفع العلم اللبناني بصورة نهائية على كلّ المؤسسات الحكومية، وأقيم أوّل عرض عسكري للجيش اللبناني أمام وزارة الدفاع الوطني في بيروت، بحضور رئيس الجمهورية بشارة الخوري، وأركان الدولة كلها. 

لم يكن اللبنانيون على مدى تاريخهم الطويل هواة حروب وغزوات. وإذا ما أرادوا يوماً توسيع آفاق وجودهم تأبطوا الحرف، واستقلّوا المركب، وانطلقوا إلى مجتمعات العالم، روّاداً للمعرفة والثقافة والانفتاح.
وكانوا وما زالوا، يرفضون الظلم والاحتلال، ويقدّسون الحرّية التي لم يتنازلوا عنها في أيّ وقت من الأوقات، ولم يعملوا مطلقاً على حرمان غيرهم منها. وانطلاقاً من هذا الإرث العريق، دأب الجيش منذ خطواته الأولى على تنشئة عسكرييه وفق أسس وطنيّة جامعة، وقيم أخلاقية وإنسانية نبيلة، في مقدّمها التمسّك بالمناقبية والانضباط، والتزام العمل المؤسساتي القائم على النزاهة والتجرّد والاستقامة، وعلى مبدأ الثواب والعقاب، ومعايير الكفاءة والإنتاجية، إضافة إلى مساندته الدائمة المجتمع المدني بالطاقات والإمكانات المتوافرة لديه، ما شكّل الأرضية الصلبة لتنفيذه مختلف مهمّاته الوطنية.

لم يتأخّر الجيش في تلبية واجبه الدفاعي، مقدّماً التضحيات الجسام على مذبح الوطن، إذ خاض ولم يزل فتيّاً خلال العام 1948، أولى معاركه البطولية ضدّ العدوّ «الإسرائيلي» في بلدة المالكية، واستطاع تحريرها منه. ثم توالت بعد ذلك سلسلة المواجهات مع هذا العدو، حيث أدّت الوحدات العسكرية اللبنانية قسطها في حرب حزيران عام 1967، إلى أن كانت المواجهات المباشرة عام 1970، في منطقة سوق الخان – حاصبيا، وعلى محوري بيت ياحون – تبنين وكفرا- ياطر عام 1972، وصور عام 1975، مروراً باجتياحي 1978 و1982، وعمليتي تصفية الحساب عام 1993 وعناقيد الغضب عام 1996، ومواجهات عربصاليم وأنصارية عام 1997، وصولاً إلى عدوان تموز عام 2006، وموقعة العديسة عام 2010.
وبفعل صمود الجيش، وبسالة المقاومة الوطنية عند خطوط المواجهة، إلى جانب تمسّك اللبنانيين بأرضهم وحقوقهم الوطنية، اضطرّ العدو مكرهاّ إلى الاندحار عن القسم الأكبر من الجنوب والبقاع الغربي، فكان أن تحقّق انجاز التحرير في 25 أيار عام 2000 . إلاّ أنّ العدو بقي جاثماً على أرض مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر، التي لا تزال تنتظر فكّ أسرها والعودة إلى ربوع الوطن.

ثم كانت الملحمة الوطنية الكبرى في عدوان تموز من العام 2006، إذ وقف اللبنانيون، جيشاً وشعباً ومقاومةً، صفّاً واحداً في مواجهة العدو «الإسرائيلي»، محقّقين انتصاراً تاريخياً عليه، اعترف به العالم أجمع، بما في ذلك قادة العدو أنفسهم.
خلال هذا العدوان، كان الجيش اللبناني في ساحة المواجهة، يعكس صورة الوطن الصامد المقاوم، إذ قامت وحداته في أماكن انتشارها بأداء دورها الدفاعي بكلّ القدرات المتاحة، عبر التصدّي للطائرات المغيرة، وإحباط العديد من محاولات الإنزال والتسلّل، مقدّماً حوالى 50 شهيداً، وعدداً كبيراً من الجرحى، امتزجت دماؤهم بدماء الشهداء من النساء والأطفال والشيوخ والمقاومين الأبطال، في ساحات الحرية والكرامة.

وفور توقّف العدوان «الإسرائيلي» وصدور قرار مجلس الأمن رقم 1701، انطلقت رحلة عودة النازحين إلى أراضيهم وبيوتهم، فيما سارع الجيش إلى التوجّه نحو حدود لبنان الجنوبية، ليؤدي واجب الدفاع عنها والتضحية في سبيلها، وكان ذلك مدعاة فخر للجنود والمواطنين جميعاً. وقد تزامنت هذه المهمّة، مع انتشار قواتٍ تابعة للأمم المتحدة على الحدود، كلّفت بموجب القرار المذكور، مؤازرة الجيش ودعمه في تنفيذ واجبه. 

عُرف الجيش اللبناني عبر تاريخه الطويل، بأنّه الصامت الأكبر، ولا بأس في ذلك، إذ يكفيه من أجل الوطن، أن تصدح مآثره في مواقع العزّة والكرامة، ويشمخ علم لبنان خفاقاً بأنسام الحرية والعنفوان.

السابق
في الإصلاحي مجدّداً
التالي
قيادة الجيش تلاحق المرعبي