نهاية حزب مقاوم؟

ربما يذكر البعض هذه الحادثة يوم سأل أحد رجال الأعمال من الطائفة الأرمنية في منطقة برج حمود شخصاً داخل سيارة تابعة لـ«هيئة دعم المقاومة الإسلاميّة» كان يجمع التبرعات بلهجة عربيّة محبّبة: قدّيش حقّو الكاتيوشا؟ أجابه: 5000 دولار، فما كان من الرجل الأرمني إلا أنّ سحب من جيبه دفتر شيكاته وحرّر له شيكاً بمبلغ 10000 دولار، قائلاً: «جيب 2 واضربو إسرائيل».
هي واقعة مثّلت في حينها مدى الاحتضان والاحترام الشعبي الذي كان يختزنه الشعب اللبناني لا بل الشعوب العربية كلّها في داخلها تُجاه أهمّ مقاومة وجدت في تاريخ الشعوب، قبل أن تترك عملها المقدّس وتضيع في شوارع الزحام السياسي وأزقّته. فيومها لم يكن الخلاف السياسي أو الأمني عائقاً أمام طبيعة عمل المقاومة الذي كانت تُهلّل له الشعوب العربية بكلّ تلاوينها وأطيافها مع كلّ لحظة يتمّ فيها الإعلان عن استهداف عناصر إسرائيلية أو آليات تابعة لهم.

عجباً ثمّ عجباً، كيف تحوّل "حزب الله" من حركة مقاومة ضدّ إسرائيل ومطارداً لها على كافّة الجبهات إلى أداة تنفيذيّة في يد دول إقليمية وإلى متّهم بجرائم قتل وفساد، وإلى حامي لصوص، وإلى حزب لديه كوادر وعناصر بعضهم متّهم باغتيال سياسيين لبنانيين، وبعضهم الآخر متّهم بالعمالة لإسرائيل.

بهذه الكلمات بدأت مصادر مراقبة لعمل الحزب منذ ولادته حديثها وهي تشدّد على أنّه "حتى الذين كانوا يفتخرون بانتمائهم إلى هذه البيئة المقاومة، أصبحت اليوم عبئاً ثقيلاً عليهم بعد الموبقات التي ما زالت تُرتكب في مناطقها ممّا يُعرف بشبّيحة الحزب، وبعد ازدواجية المواقف التي أعلنها قادة "حزب الله" تُجاه "الربيع العربي، خصوصاً لناحية ما يجري في كلّ من سوريا والبحرين".

وتقول المصادر عينها: "منذ أن نأى الحزب بنفسه عن العمل المقاوم وتحديداً في 7 أيّار 2008 يوم أدار وجهة سلاحه إلى الداخل اللبناني وصولاً إلى المواقف الداعمة للنظام في سوريا والمتجاهلة شعباً بكامله، فإنّ الأيّام لم تسجّل له أيّ موقف مشرّف يُحتسب له كإنجاز وطني بعد سنين طويلة قدّم خلالها مئات الشهداء في سبيل قضية وطنية قبل أن تتحوّل لاحقاً إلى ورقة تفاوض في يد مَن أنشأ هذا الحزب ودعَمَه عسكريّاً وسياسيّاً لأسباب أصبحت مكشوفة حتّى لجمهور "حزب الله".

وترى أنّ "مشكلة "حزب الله" تكمن في أنّه واقع بين معادلتين، المرحلة التي يبدو أنّها بدأت تلفظ أنفاسها شيئاً فشيئاً، وهي تميّزت بتحالف ثابت استراتيجي مع إيران وسوريا ومحورية مفهوم المقاومة وتوسيع أفقها لتشمل الشعوب المضطهدة في كلّ الأصقاع، والمرحلة الحالية التي طرأت عليها مستجدّات وتحوّلات إقليمية ومحلية تعطي الأولوية للاعتبارات الداخلية وللسلام المنتظر في المنطقة، ومن المرجّح في هذه المرحلة أن تستكمل الدولة اللبنانية أدواتها السياسية والعسكرية لبسط سيطرتها الكاملة على كافّة أراضيها. وهذا ما بدأ يتبين من خلال دعوة الحزب الدولة الدخول إلى أهمّ معاقله، أيّ الضاحية الجنوبية".

وتضيف: "يبدو أن الحزب قرّر التخلّي عن ماضيه المقاوم، وهو بدأ يعدّ العدّة بشكل جدّي للدخول في سياسة الزواريب ومحاورها، ولعلّ المقاومة ضدّ المحتلّ كانت لحظة وطنية تاريخية، حتى انّه يصح القول إنّ اكثر الأماكن هدوءاً في هذه الأيام هو الشريط الحدودي بين لبنان وإسرائيل، فما من أحد يتخيّل أنّ هذه الحدود التي تجمع بين مقلبيها مَن يُفترض أنّهم أعداء في الدنيا والدين هي اليوم أهم الأماكن الآمنة على وجه السكينة هذه".

وتلفت إلى أنّ "الشعوب العربية، بمسيحييها ومسلميها، كانت تنتظر بفارغ الصبر إطلالات الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله فقط لرؤيته وسماعه نظراً إلى المكانة التي كان يحتلّها في ضميرهم ووجدانهم".

وتختم المصادر قولها "كلنا كلبنانيين نذكر "حركة فتح" وقائدها "أبو عمّار" الذي حكم لبنان وقمع شعبه لسنوات طويلة من دون أن يرفّ للدول العربية والغربية جفن، ومع هذا نستطيع أن نرى اليوم أين هو هذا الرجل وأين أصبحت الحركة التي أسّسها.

ومن هنا، فإنّ على "حزب الله" أن يتّعظ من الأخطاء السابقة التي ارتكبتها منظمة التحرير الفلسطينية إبّان وجودها في لبنان وأن يعمد إلى إنهاء عسكرته خصوصاً بعد الإخفاقات المتعدّدة التي مني بها خلال الفترة الأخيرة على أصعد مختلفة ومتعددة، وعندها سوف يُسجّل له التاريخ بأنّه عاد إلى الحياة السياسية بعد أن انتهت مفاعيل العمل المسلّح".  

السابق
عجز الأكثرية
التالي
عرض اللجوء السياسي عـلى سلامة!