فضائح صغيرة.. كبيرة

يبدو مناف طلاس أقرب إلى ممثل في هوليوود منه إلى جنرال في الجيش. وإذا لم تخنّي الذاكرة، فإنني لم أر جنرالاً تنسدل خصلات شعره على جبينه وقفاه، على طريقة المذكور. وإذا كانت هذه التفاصيل ثانوية، فإن الجوهري في الأمر أن مناف طلاس ينتمي إلى نخبة أبناء العسكريين والحزبيين، الذين استولوا على سورية في العام 1963، وأسهموا في إنشاء وتعزيز عرش حافظ الأسد، وفي تكريس نظام العلويين، وفي تمكين ابنه، بشّار، من وراثة البلد شعباً وجيشاً ومصيراً ومقدرات ومؤسسات.

كان الأولاد في الحضانة، أو في عالم الغيب، عندما وصل آباؤهم الفقراء والريفيون إلى سدة الحكم في حاضرة الأمويين. ومنذ أواسط الثمانينيات صعد الأبناء إلى الواجهة، وارتقوا سريعاً في الجيش والبزنس والأمن وبيروقراطية الدولة، صعدوا درجات السلّم الوظيفي والاجتماعي والسياسي والمالي بقفزات واسعة، وشبه خيالية، وأصبحوا مع حلول عقد التسعينيات سادة البلد، ونخبته الجديدة.
مناف طلاس، الذي أصبح بعد انشقاقه، وبين ليلة وضحاها، كائناً فضائياً من مخلوقات التلفزيون، وهذا كله لأن السعوديين يسوّقونه بديلاً لبشّار ابن حافظ الأسد. وفي هذا السياق، أذاع بيانات وأجرى مقابلات، وكان عليه أداء "العمرة" متلفزة، أيضاً.

بمعنى آخر: يضيف السعوديون شرط العُمرة إلى مؤهلات الطامحين إلى الرياسة والسياسة في سورية، دون التوقف كثيراً أمام جدارتهم الوطنية والسياسية. كل ما في الأمر أن الجينات التي رفعت ابن مصطفى طلاس إلى مرتبة النخبة في نظام آل الأسد، تمكنه اليوم من تصدّر قائمة الطامحين إلى وراثته.

يحدث هذا وفي الشوارع دمٌ. الحقيقي في كل ما نرى هو الدم. والحقيقة، أيضاً، أن نظام آل الأسد وَلَغَ في الدم، وبالغ في الانحطاط بشكل غير مسبوق في تاريخ العرب. وما عدا ذلك: من مخلوقات فضائية، بما فيها "المفكر العربي" على شاشة "الجزيرة"، والهموم الديمقراطية لفضائيات النفط، والجنرال في "العُمرة"، والمراسل ومقدّم البرامج السابق، وقد أصبح عالماً في الثورات، فكلها فضائح صغيرة.

 

 

السابق
مرحلة ما بعد الأسد بدأت في حلب وجوارها
التالي
اللواء: خلافات حادة حول مواد في مشروع النسبية والمستقبل لإستقالة الحكومة فوراً