عون أمام مرآة برّي

سابقاً، خرج «حزب الله» من «حركة أمل». اليوم، كأن ميشال عون يخرج من «حزب الله» إلى «حركة أمل». لعل ذلك سير في الاتجاه المعاكس، أو في الاتجاه الصحيح، فما أدرانا بعلم السياسة العونيّة. وبين التفاهم مع «حزب الله» ذي القاعدة الشعبيّة المشتغلة في القطاع الخاص، والصراع مع «حركة أمل» المياومة في القطاع العام، شوط قطعته الزعامة العونيّة التي تمكّنها المذهبيّة والطائفيّة من جمع القطاعين العام والخاص ومعهما الخصخصة.
إذا كانت فرصُ الاستمرار بالتفاهم بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» قائمة، فإن مقولة تشابه التيار والحزب كفئتين اجتماعيتين واحدة إصلاحيّة وأخرى مقاوِمة، قد سقطت وباتت من التاريخ. السياسة كانت أقوى منها، بل كادت تزعزع التفاهم الذي تبقيه السياسةُ لا المقولات حياً.

الخلاف «الكهربائي» بين ميشال عون ورئيس «حركة أمل» نبيه برّي ظهّر سعي الزعيم الأول للتشبّه بالزعيم الثاني، لا بحليف الطرفين، «حزب الله». من دون إلغاء الفارق الشخصي وفي الحنكة السياسيّة. سيرورة زعامة ميشال عون وضعته في هذه المناظرة. حين تحالف سياسياً مع «حزب الله» الذي يختلف معه «عقائدياً» وأدخل تياره في لعبة تحوير الكلام، وقف أمام هذه المرآة. وسواء أكان عون يدري أم لا، علّق ذاك التحالف الخطابَ الإصلاحيّ الذي ردده بين الحين والآخر. ومع تعليق الخطاب علق مضمون وثيقة التفاهم وأي كلام عن إمكان تقريب «حزب الله» من ذاك الخطاب الإصلاحي. وساهمت السياسة وحوادثها وصراعاتها في ذلك. لبننة «حزب الله» التي تحدّث عنها خصومه، تحولت، في ظل التفاهم وسيرورة زعامة ميشال عون، تسييس ميشال عون وتياره. الانتكاسة مزدوجة هنا، فلا الخطاب العوني الإصلاحي استمر وتجذر، ولا تقريب «حزب الله» من الخطاب المدني والإصلاحي كان حقيقيّاً واستثماراً رابحاً. فإذا كانت حربُ تموز 2006 والانقسام السياسي الذي رافقها ونتج منها، قد أحالا التفاهم رابطاً عصبياً براغماتيّاً، فإنهما أيضاً علّقا التفاهم ومضمونه. وبات الحزب يتحرّك في السياسة الداخلية من خلال حلفائه. يُضاف إلى هذه القائمة استحقاقات «الفتنة» المحلية والإقليمية… وترجماتها الدولية.

كل هذا، وغيره، جعل ميشال عون متحالفاً مع «حزب الله» لا «متفاهماً» معه. وكل هذا، وغيره، لا سيما الزعامة وبازارها الانتخابي، جعل ميشال عون متشابهاً مع نبيه بري، الزعيم ذي القاعدة الشعبية المتشعبة المصالح والمتعارضة مع المصالح المتشعبة لقاعدة شعبية أخرى، بل للقواعد الشعبية الأخرى. ومن بين هذه القواعد الشعبية ما يخص زعامة ميشال عون المتعددة طبقياً، مثل زعامة نبيه بري. فالرأسمال هنا، كما في حالات عديدة، يحكم أداء الزعامة العونية، والشعار جاهز: بين الإصلاح والمذهبية. وقد شاء القدر السوسيولوجي لقضية المياومين، متقاطعاً مع القدر الانتخابي للزعامات، أن يجعل غالبية اليد العاملة «مسلمة شيعية»، فتوَاجه الزعيمان في البرلمان وفي الشارع وفي التحالف السياسي وفي المرآة أيضاً.  

السابق
عرض اللجوء السياسي عـلى سلامة!
التالي
ضرورة تجهيز مراكز الدفاع المدني في النبطية قبل تزايد الحرائق