الولي في واشنطن!

يبدو أن هناك نقاشا محتدما في الأروقة السياسية بالعاصمة الأميركية حول تشكيل موقف محدد من الأوضاع في سوريا؛ بين من يرى ضرورة التدخل هناك لأن الوقت سانح لذلك، ومن باب الاستعداد لمرحلة ما بعد الأسد، ومن يرى ضرورة عدم دفع الأمور لتغيير المعادلة القائمة في سوريا، التي تعني زوال حكم الأقلية العلوية!

وقد تبدو للقارئ الكريم في هذا المقال صراحة مستفزة، من حيث استخدام بعض المصطلحات، مثل «الأقلية» و«العلويين»، و«الشيعة»، وخلافها. ولكن ذلك توصيف اقتضته الضرورة، وتسمية الأشياء بأسمائها؛ لأن هناك من يفعل هذا الأمر بكل وضوح في الإعلام الأميركي اليوم، وضمن النقاش المحتدم هناك حول الأوضاع في سوريا. وهو ما ظهر مؤخرا من خلال عدة مقالات في الصحف الأميركية الكبرى، التي يبدو أن بعضها قد تشكل نتيجة «إيجاز صحافي» قد تم لكبار الصحافيين الأميركيين من قبل الإدارة الأميركية. فالتناغم بين جل الكتاب، على الرغم من تباين آيديولوجياتهم، بات واضحا، وكذلك أسلوب التغطية الإعلامية المتجهة لطريق واحد، خصوصا محاولة التأكيد على وجود «القاعدة» في سوريا، على الرغم من التصريحات الأميركية الرسمية المقللة من وجود «القاعدة» هناك!

آخر هذه الطروحات الصحافية الطائفية ما كتبه ولي نصر، صاحب أطروحة «صحوة الشيعة»، الأميركي من أصول إيرانية وعميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز ومستشار المبعوث الخاص لأوباما في أفغانستان وباكستان، وأحد أبرز المحرضين على غزو العراق، والداعين للتحالف الأميركي مع شيعة المنطقة، إذ كتب نصر مقالا في صحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان «سوريا تتداعى»، يبدو وكأن كاتبه «ولي» إيراني يقيم في واشنطن، حيث كان مقالا سياسيا تحليليا أبرز أدواته الطائفية.

وملخص ما دعا إليه نصر هو تقاسم السلطة في سوريا بالاتفاق مع روسيا وإيران، وذلك لأن في سوريا «مليون شيعي»، وهذا طرح طائفي ساذج، وليس تحليلا سياسيا. ولو قال البعض إن هذا مشابه لاتفاق الطائف، فهذه سذاجة أيضا؛ فعلى علل اتفاق الطائف اللبناني، فإن التركيبة السورية ليست مثل اللبنانية، ولا توجب المحاصصة الطائفية!

فالعلويون ليسوا شيعة، ولذا قام الخميني بالاعتراف بهم كشيعة دعما لحافظ الأسد، ومن أجل تمكينه في المنطقة. والقول إن عددهم في سوريا مليون يفتقر للدقة، ولا توجد إحصائيات يعتد بها حول ذلك، وهذه إشكالية بعض الإعلام الأميركي، وبعض الباحثين الطائفيين هناك في تعاملهم مع نسب الشيعة في منطقتنا، حيث لا تدقيق، ولا توثيق. وإذا افترضنا جدلا أن الرقم صحيح في سوريا، فكيف يستقيم أن يكون باحث مثل نصر مدافعا عن الأكثرية الشيعية في العراق، وهم ليسوا أكثرية بالطبع، وعن حقهم في الحكم، ثم يعود محذرا من حكم الأكثرية السنية في سوريا خشية على الأقلية العلوية التي سماها شيعة؟ أمر لا يستقيم، وتحليل طائفي ساذج!

وعليه، فليس المراد هنا الرد على «ولي» واشنطن، فذاك حديث يطول، وإنما الهدف هو تنبيه بعض عربنا إلى ما يحاك لهم في واشنطن، ومن قبل من يسمون بالباحثين، ويحظون بمكانة مرموقة، ومقربين من دوائر الرئيس أوباما.. فهل هناك من يكترث؟  

السابق
نفوذ التيارات الإسلامية
التالي
عيد الجيش.. عيد لبنان