السياحة الدينية خارج الحدود اللبنانية.. مستمرة رغم المنع

أيدت القيادات الدينية والسياسية في لبنان قرار رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، بمنع النقل البري لحملات الزيارات الدينية التي تنظمها شركات السفر، إلى سوريا، العراق، إيران، والسعودية بعد استشهاد عدد من الزوار اللبنانيين القادمين عبر سوريا في العراق ، وخطف لبنانيين قادمين من إيران عبر تركيا ثم سوريا في مدينة حلب، حيث لا يزال مصيرهم معلقا تحت تأثير التجاذبات السياسية الإقليمية والدولية.
لا تزال تداعيات هذا القرار على المستوى الشعبي مستمرة، وتأثيرها على زخم الزيارات والحملات عبر البرّ إلى دول الجوار، وهل ساهم هذا القرار في انخفاض أعداد الزائرين، وحرم ذوي الدخل المحدود منهم من ممارسة إحدى الشعائر الأساسية؟

300 حملة
يجلس حسين أمام محلّه في النبطية ، يستعيد بعضا من ذكريات، حَمَلَت بين صفحاتها يوميات جدّه لأبيه في رحلاته الدينية إلى السعودية والعراق وإيران عبر البحر ، تلك الذكريات التي تناقلها الآباء وورثها الأبناء كان لها ثقلها في وجدانه ودفعته – مع كثير من رفاقه – لزيارة العتبات المقدسة، في سوريا والعراق وإيران " زيارة الأئمة عالم تاني ، بتحس إنّك قريب من الله ..نيّال لي بيستشهد هو عم بزور بيندفن حدّ الأئمة".
وأما إسماعيل فيرى أنّ ما حدث من عمليات قتل للزوّار في العراق، وخطف للزوّار القادمين من إيران ووجوده في بلد يزنّره التوتر، وتعانقه سوريا بأحداثها وفتنتها، لن يغيّر عزيمته على الزيارة في البرّ والبحر والجوّ، "فضريبة الولاء لأهل البيت(ع) كانت على الدوام مرتفعة، وزيارتهم في الأزمنة السابقة كانت كلفتها تتجاوز الكلفة المادية إلى قطع اليدين وربما القتل". وأما قرار المنع للزيارات البريّة لا يوجد من يعارضه حفاظا على أرواح الزائرين؛ بل إن أكثر الحملات اتخذت قرارا ذاتيا بمنع تسيير رحلات بريّة، بعدما اندلعت الأحداث في سوريا وأصبح منطق الاستهداف سائدا كما أكّد لنا أصحاب الحملات الذين التقينا بهم.
ما يقرب من ثلاثمائة حملة لبنانية تقوم بالزيارات الموسمية والشهرية والنصف شهرية إلى مراقد أهل بيت النبي(ص)، تزدهر في أربع مناسبات أساسية هي: زيارة الأربعين (20 صفر) وزيارة الخامس عشر من شعبان، والزيارات الرجبية ، وعيد الغدير في الثامن عشر في الثامن عشر من ذي الحجة ، وتسيّر تلك الحملات رحلات جويّة وبريّة إلى تلك الأماكن، وتشكّل سوريا مقصداً أساسيّا لكل الحملات البريّة، سواء لإجل العبور إلى كل من العراق والسعودية وإيران أو لجهة زيارة الأماكن المقدسة في كل من الشام (مقام السيدة زينب والسيدة رقيّة(عليهما السلام)) وحلب (مسجد النقطة)، ما جعلها صلة الوصل بين الزائر ومقصده.

ممرّ إجباري
يمر مسار الحملة إلى العراق بسوريا عبر منطقة "الضُمَيْر" التي تبتعد عن الشام حوالي 20 كلم ،وفي بعض الأحيان عبر الاردن، ولم تشهد حوادث أمنية طيلة تلك الفترة حتى في عهد النظام العراقي السابق ، حيث كان يعمد إلى الاتفاق مع مشايخ العشائر في تلك المناطق، لضمان المرور الآمن للزوّار. فالمسافة من الحدود العراقية إلى بغداد تبلغ ما يقرب من 5500 كلم، تمرّ في مناطق ساخنة أمنيا "كالرمادي" و"الفلوجة" وبدرجة أخف "الرطبة" التي يُعتبر المرور من خلالها إجبارياً، وبعد الاحتلال الأميركي للعراق أصبح المرور في تلك المناطق نهارياً. "فلا توجد آلية محكمة لضبط حركة السير بين الحدود العراقية وبغداد والاتفاق مع العشائر غير مضمون وأما دوريات الشرطة التي ترافق الحملات ليست ذات فعّالية، وترتّب على الزائرين التوقف ثلاث ساعات في الصحراء، بانتظار وصول حماية الشرطة" كما أفادنا مدير حملة الخليل الحاج حسنين الخليل.
واما عن المخاطر المحدقة بين بغداد والمدن الأخرى كالنجف وسامرّاء فيقول الخليل "إن الحكومة العراقية أقامت العديد من الحواجر الأمنية على الطرق، لحماية قوافل الزوّار وإعاقة عمليات التفجير والاعتداء"، فالحواجز بين بغداد والنجف تصل إلى ستة حواجز، وبين بغداد وسامرّاء تتراوح بين إثني عشر حاجزا وخمسة عشر حاجزا، بمعدل حاجز أمني كل سبعة كيلومترات، ما جعل المسير على تلك الطرقات أكثر أمنا وطمأنينة.
وبالنسبة لمسار الرحلة إلى إيران، فيمر بسوريا اتجاه منطقة "ديار بكر" على الأراضي التركية، التي تمتاز بطرقاتها الجبلية الوعرة، وتشهد نزاعا انفصاليا بين الأكراد والسلطات التركية، وقياسا على وتيرة الحملات البريّة إلى العراق، تعتبر أقلّ عددا لعوامل عديدة، يلخصها لنا أحد المسؤولين عن حملة باب الصفا أبو علي السيد قائلا: "صعوبة الطريق ووعورتها، وجود مشقة على الزوّار خصوصا النساء والأطفال، المدّة الطويلة التي تتطلبها الرحلة، ما يقرب من أربع ليالي ونصف من بيروت إلى طهران، بينما في الطائرة لا تحتاج لأكثر من ثلاث ساعات وثلث". وبعد اندلاع الاحداث في سوريا ازدادت الخطورة من جهة "ريف حلب"، المنطقة التي تم فيها اختطاف اللبنانيين الإحدى عشر مؤخراً.
                                                

توقّف كامل
نشطت الحملات البريّة الأسبوعية إلى الشام بشكل ملفت في السنوات الأخيرة، حاليا توقفت بالكامل، نظراً للأوضاع الأمنية الدقيقة التي تمرّ بها سوريا. أحد منظمي تلك الحملات زين العابدين يقول:"كان عنّا كل اسبوع تنين بولمان، اليوم ما في شي.. في رحمة الله". وأما الحملات البريّة إلى دول كالعراق وإيران والسعودية، فقد كانت تستقطب أوسع شريحة ممكنة من الراغبين بزيارة الرسول والأئمة، وكانت مزدهرة في بيروت والجنوب والبقاع ، فمدير وكالة الصباح الحاج حسين الصباح يقول: "يوجد في منطقة النبطية وجوارها أكثر من ثلاثين حملة للحج والزيارة، ستة بولمانات أسبوعيا محملة بالزوّار… ما يقرب من ألفي معتمر في مثل تلك الأوقات".
حاليا توقفت الرحلات البرية بانتظار جلاء الأمور في سوريا، الحل الوحيد أمام الزائر الرحلات الجوية، فالموضوع عند عباس سهل "بتطلع من بيروت، تغفو قليلا، تجد نفسك في جوار الإمام علي ع في النجف" وكذلك الامر بالنسبة لطهران ومشهد، والمدينة المنوّرة.. لكنْ كلفة السفر بالطائرة تختلف بالكامل عن السفر بالبرّ، تصل إلى الضعف أحيانا، فالأسعار في البرّ إلى العراق، تراوحت قبل قرار الحظر، بين مايتان وخمسين دولاراً (الحملات العادية) إلى خمسماية دولار للشخص الواحد في الحملات ذات الخدمات الجيدة، في الجوّ تتراوح الأسعار بين سبعماية وخمسين دولارا وألف دولار، وكذلك بالنسبة إلى إيران والسعودية، كلفة الركوب بالطائرة تعادل الضعف ما يرتّب على الزائر أعباء إضافية، قد تكون غير محتملة في ظروف اقتصادية صعبة كالتي نعيشها في لبنان.

الهاجس أمني
لم تشكل الظروف الإقتصادية العامل الأساسي في تراجع أعداد الزائرين، لأن أكثر من التقيناهم، يرون الهاجس الامني اكثر حضورا، "فالراغبين في الزيارة كانوا على الدوام يستجمعون كل ما لديهم لزيارة الإمام الحسين ع" كما يقول الحاج حسين الصباح، والأعداد تراجعت عن السابق، نتيجة القلق الأمني وعدم إحساس الزائر بالأمان ، وليست نتيجة أسباب أخرى. فنسبة التراجع في أعداد الزائرين الإجمالي في ظلّ غياب الإحصاءات الدقيقة لا تتجاوز النصف، ونسبة الزيادة على الطلب بالسفر بالطائرة تتراوح بين 20 إلى 25%.
بعض شركات الطيران زادت اسعارها كما فعلت شركة الميدل إيست بين بيروت والمدينة المنورة (364 دولاراً إلى 450 دولارا)، والبعض الآخر أبقى الأسعار كما هي بالنسبة للخطوط الناقلة إلى كل من العراق وإيران، وبعضها الآخر خفّض أسعار التذاكر لتقارب الكلفة البرّية تقريباً، كما فعلت شركة "مهان" الإيرانية، فالسفر على متنها لا يكلّف أكثر من ثلاثماية وخمسون دولارا ذهاباً وإياباً.
هنا لا مجال للدعاية، "فالسفر بالطائرة أكثر أمناً في هذه الأيام وأكثر راحة بال ، مش ضروري لكي نزور الأئمة أن نُخطف أو نقتل "هذا ما تقوله خديجة ، بينما لا ترى بتول حرجاً في دعوة االناس للتوقف عن الزيارة فالإمام الحسين ع " لن يحزن إن لم نزره في مثل إيامنا وأوضاعنا، والذهاب إلى الزيارة رميّ النفس بالتهلكة.."
وبغض النظر عن الأراء والأراء المضادة، لم يبق للزائر متسعا وخيارات متعددة، فالسفر عبر الطائرة، والإقامة في فنادق الخمس نجوم، والذهاب بالقافلة إلى أضرحة الرسول ص والأئمة(ع)، هي عناوين "السياحة الدينية" كما يحلو لكثيرين أن يسمونها.. عناوين تحتاج إلى ميزانية. "قرار المنع" فوق رؤوس الجميع فليحفظ الله من هم تحت القرار. 

السابق
غارة حلب !
التالي
تعتمر بملابس إحرام الرجال!