الأسد أحرق سوريا ودورها

منسوب الخبث الروسي ـ الأميركي ـ الإسرائيلي الممارس في "الملعب السوري"، غير مسبوق. في عزّ الحرب الباردة، كانت المواجهات والحروب البديلة معروفة الأهداف. تحديد الهدف من كل حرب كان يسهِّل قراءة الأحداث وحركة الأطراف. حالياً، كل واحد من هذه القوى الثلاث، يبطّن غير ما يظهر.
جميعهم يعبّرون ليلاً ونهاراً عن خوفهم من مسار التطورات في سوريا، لكن الثلاثة يتحركون على خلفية ما يبطنون وليس ما يعلنون. النتيجة أن لا أحد يمكنه تحديد مسارات الأحداث ومتى تتوقف المذابح التي يدفع الشعب السوري ثمنها غالياً من دمائه وممتلكاته ومستقبله.
تؤكد موسكو يومياً انها تريد المحافظة على الدولة في سوريا والجيش موحداً، وقاعدتها في طرطوس. في حين أن دعمها المتواصل بالعدة والخبراء في جميع القطاعات للنظام الأسدي يطيل أمد النزاع ويعمّق الأحقاد. يوماً بعد يوم يزداد تفكك الدولة في سوريا، ويتشرذم الجيش بحيث إن إعادة توحيده تتطلب فترة طويلة جداً، فالانشقاقات تزداد حدة طائفياً.
التجربة اللبنانية ماثلة، إعادة توحيد الجيش وهو أقل عدداً تتطلب سنوات من الجهود. أيضاً موسكو تؤكد انها تريد فقط المحافظة على قاعدتها في طرطوس في حين أن هذا الهدف ليس سوى نقطة من بحر تريدها، أبرزها التفاوض على الدرع الصاروخي وعدم السقوط في سباق تسلح جديد يستهلك الميزانية الروسية، وعدم دعم الغرب بأي وسيلة خصوصاً المعلوماتية منها للمعارضة الروسية، ووقف كل المساعدات المالية للشيشانيين والتجمعات الإسلامية في الجمهوريات الإسلامية.
موسكو تريد حلاً في سوريا يبقي يدها الطويلة والقابضة عليها بالتعاون والتكافل والتضامن مع طهران. الكلام عن الحرب الكونية ضد النظام الأسدي، أساسه روسي. موسكو تشيع انها هي التي أخرجت العميد مناف طلاس من سوريا على أمل أن يكون جزءاً فاعلاً من حل يشمل تشكيل حكومة انتقالية والانتخابات الرئاسية في العام 2014. تفجير دمشق الذي، حسب الأخبار المسربة، جرى بتدبير أميركي مخابراتي رفيع المستوى قد أسقط الحل، فكان البديل مذبحة دمشق ولاحقاً مذبحة في حلب. موسكو تأخذ سوريا رهينة بين يديها للتفاوض عليها وحولها مع واشنطن. المشكلة أن كل يوم حرب جديد يضعف كل الأهداف المعلنة لموسكو ويجعل أهدافها غير المعلنة رهينة لتطورات مواقف واشنطن وتل أبيب، وأساساً صمود الشعب السوري وثواره.
أما واشنطن فإنها تتباكى يومياً على ما يجري في سوريا، لكن واقعياً لا تريد حالياً الحل. عملياً أقفلت الباب في وجه أي موقف يتخذ لإنقاذ حلب من المذبحة، عندما أكدت ان حلب ليست بنغازي. المسألة لا تعود إلى خوف أميركي من المواجهة وانما لان واشنطن تفضّل انزلاق سوريا في أتون الحرب الشاملة. بهذا "تصطاد عدة عصافير بحجر واحد"، ومن خارج "كيسها". من ذلك أن وضع موسكو وموقفها يضعف مع كل ضربة يتلقاها النظام الأسدي. انها تثأر من الأسد الذي صدّر إلى العراق كل الارهابيين الذين أحالوا العراق "جهنم" حقيقية كان وقودها "العراقيون"، علماً أن عملية إعادة تصدير الارهابيين مهما اختلفت تسمياتهم إلى سوريا تجري على قدم وساق. أيضاً وهو مهم لواشنطن أن الدور السوري في رسم المسارات العربية قد دخل في غيبوبة طويلة تكاد تكون مشابهة وربما أكثر بكثير من العراق. هذا التطور يصب أيضاً في "الطاحونة" الأميركية التي تعمل على إضعاف إيران ومحاصرتها بعيداً عن حوض البحر الأبيض المتوسط وفلسطين.
أما إسرائيل، فإنها تستمتع بلعب دور "البراءة" وهي أخبث الخبثاء. ذلك أن إسرائيل ممزقة بين تحالفها غير المعلن مع النظام الأسدي الذي أنتج السكون الكامل في الجولان، مما سمح لها ببناء المستعمرات والمناجم والمزارع والتحصينات الضخمة، وبين التخلي عن النظام الأسدي لمصلحة نظام مجهول قد يفتح الحدود معها على كل الاحتمالات، سواء بسبب اختياراته أو بسبب الفوضى. رغم كل المكاسب التي تحققها إسرائيل من فصل سوريا عن إيران، فإنها لا تعلن موقفاً حقيقياً مما يجري في سوريا. "الغموض الايجابي" هو سيد المواقف الإسرائيلية.
كل هذا الخبث لا يساوي شيئاً أمام إصرار الأسد المحافظة على السلطة إلى الأبد. المشكلة ليست في موسكو ولا واشنطن ولا إسرائيل، المشكلة في النظام الأسدي، الذي يبدو مستعداً من أجل المحافظة على السلطة، إحراق سوريا ولبنان وكل القوى الفلسطينية. لذلك الخوف الحقيقي أن يعمد الأسد والأسديون معه الى تفجير حرب شاملة مع إسرائيل، يكون وقودَها السوريون هذه المرة، وبطبيعة الحال اللبنانيون بكل طوائفهم خصوصاً الشيعة منهم. أما الأسوأ من كل ذلك، أن يجد الأسد ونظامه أذناً صاغية في طهران لعملية إحراق المنطقة في مواجهة شاملة، خصوصاً وان البعض في القيادة الإيرانية يعتبر ان خسارة الأسد خسارة إيرانية مباشرة. وان أي حرب لا تدفع إيران ثمنها من أرضها وشعبها تبقى حرباً رابحة مهما كانت خسائر الحلفاء فيها ضخمة.
طبعاً يمكن لحزب الله أمام هكذا احتمال أن يكون عامل القطع أمام الانجرار نحو حرب خاسرة خصوصاً بالنسبة للشيعة، أو عامل الوصل مع الأسد وإيران فيتهدم "الهيكل" كله على رؤوس الجميع بما فيهم الأسد وإيران، وحتى المقاومة ضد إسرائيل.
 
 

السابق
واشنطن تعترف بقدرة إيران على إغراق أسطولها
التالي
يخطبان ود إسرائيل