العودة الى المبادىء والثوابت الانسانية، وإلى روح التعارف التي اتاح المحيط الهندي، افقا لهذا التحدي الذي خاضته عُمان منذ الاف السنين ولا تزال. أي ممارسة فعل الحياة وقواعدها الطبيعية، في التعارف والتعاون بين مكونات المجتمع الى اسس العلاقات بين الدول، وبناء الثقة بين الشعب والسلطة، الى الاحترام المتبادل والتعاون المثمر، بين الدول. كلها عناوين على بساطتها وعموميتها، هي جوهر نجاح التجربة العمانية سياسيا ودوليا. المستشار عبد العزيز الرواس أفاض في خلاصات يمكن من خلالها فهم التجربة العمانية. وهذه السلطنة الراسخة في محيطها وفي العالم وفي وجدان شعبها، راسخة بحكمة هي ضالة وجدها العمانيون منذ زمن بعيد.
مرحلة صحويّة
• ما المعايير التي تحكم السياسة العمانية في بعديها الداخلي والخارجي؟
نعيش اليوم مرحلة من مراحل الصحوة في العالم، مظاهر هذه الصحوة تكمن في تعرف الناس على ذاتها أولاً. وعُمان شهدت هذه الصحوة مع بداية السبعينات. فهذه البلاد لم تكن نكرة بل كانت تتمتع بحصانة وحصافة تاريخية عبر العصور، وهما ما جعل عمان تدخل العالم عبر المحيط الهندي. أنتم (في لبنان) تنظرون الى العالم من البحر المتوسط، اما نحن فننظر اليه من المحيط الهندي الذي اصبح الآن محطة التلاقي في القرن الحالي، وسيكون له دور أساسي في تنويع عملية التلاقي بين الناس. تسألون عن سياساتنا، في اختصار: سياساتنا تحكمها مصالحنا. فثمة مبادئ أساسية ترتكز عليها سياستنا منذ ان قامت النهضة في عمان، وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، احترام السيادة الوطنية، حسن الجوار، التعايش السلمي بين الأمم وتبادل المصالح، فبقدر ما تتوافق هذه النقاط مع دولة ما تكون علاقتنا بها ثابتة وقوية. اذا اخذنا منظومة العلاقات في منطقتنا، فنحن نتعامل مع الآخرين على قاعدة حسن الجوار، وعدم التدخل واحترام سيادة الدول على اوطانها، فنحن لسنا طرفاً في "الذكذكات"، وتالياً فإن لدينا مشروعاً وطنياً تنموياً لبناء الانسان والوطن. فلا نستطيع ان ننطلق في اتجاه الخارج ما لم نكن تمكّنا من ايجاد الوسائل المناسبة للتنمية الاقتصادية، ولتنمية الموارد البشرية والطبيعية لكي تتواءم في خدمة بعضها البعض. نحن الآن نعيش عملية تجديد النهضة، عبر ترسيخ دولة المؤسسات وتفعيلها، ومن هنا جاءت توجيهات سمو السلطان، في خطابه في العام الماضي في شأن مجلس عمان، وتعديل النظام الاساسي لإعطاء مجلسي الدولة والشورى دوراً أكبر على مستوى سنّ القوانين، والرقابة. فالحكومة ومجلس عمان صنوان، واذا تباينت الآراء بينهما حول مسائل ما لا بد من ان يصالا الى كلمة سواء.
لسنا قلقين
• إنطلاقاً من سياسة "التعايش السلمي بين الأمم" كيف تتصرف عمان حيال الازمة القائمة بين ايران والغرب والتي تلقي بظلالها على مضيق هرمز؟
لسنا قلقين مما يدور. هناك بعد اقليمي جديد يتم التعبيرعنه بأن العالم بدأ يتواءم ليصل الى كلمة سواء. صحيح أن الأمر اخذ فترة طويلة من الزمن، لكن نتمنى ان تؤدي المؤشرات الايجابية التي افضى اليها مؤتمر اسطنبول الى توافق نسبي على الاقل ونحن متفائلون. بالنسبة الى مضيق هرمز فإن المياه التي تعبرها السفن هي في المياه الاقليمية العمانية. فالحقوق البحرية في مضيق هرمز في عملية العبور الى المحطيات او الدخول الى الخليج، هي مياه اقليمية عمانية بامتياز، وخارج اي نزاع. فنحن رسمنا حدودنا مع ايران ايام الشاه فالحد الفاصل معروف. كنا إقترحنا "المرور البريء" في مضيق هرمز استناداً الى قانون البحار، لكن العالم رفض، فهم يريدون "المرور الحر" وهو الامر الذي لا يحمِّلنا تبعات. سبق ان طرحنا في العام 1980 مشروعاً على الدول المنتجة للنفط والدول المستهلِكة يقضي بتمويلها قوة تبنيها عمان لحماية سلامة الملاحة في المضيق، غير انهما رفضا.
• هذا يعني ان مضيق هرمز يخضع للسيادة العمانية؟
تقنياً هذا صحيح، نحن ننظم الملاحة ونلعب دور "الخفير".
• الا يعني ذلك انه عندما تهدد ايران بقفل مضيق هرمز يكون في الامر اعتداء على السيادة العمانية؟
لا، لا، لا … عندما تقول ايران هذا او ذاك، نحن نفرق بين العمل الفردي البحت، وبين العلاقات الدولية المتشابكة. فالمياه الاقليمية العمانية لا يمكن ان تنقل من مكانها، وما من احد يمكنه نقلها من مكانها، اما الملاحة فهي مرور حر بحسب القانون العالمي وبالنسبة الى الدول المعنية، وتالياً لسنا مسؤولين عن ذلك، بعدما تقدمنا بمشروعنا ورفضه الجميع، المستهلكون والمنتجون. من يتضرر من اغلاق مضيق هرمز يتعامل مع الامر، نحن لا نتضرر لأن موانئنا داخل المضيق، فلماذا علينا تحمُّل فاتورة غيرنا؟
القوة الناعمة
• ثقة عمان بقدرتها على تفادي المشكلات في منطقة تعاني اهتزازات دائمة، هل هي ناجمة عن نظرة "القوة في الضعف" ام انها تستمد قوتها من ادوارها؟
الثقة بالنفس مبنية على ثلاثة امور، اولا،ً تطلعات الانسان. ثانيا،ً عدم تحميل نفسه ما لا يطيق. ثالثاً، عدم السماح بالتعدي عليه. وللقوة معانٍ كثيرة والمسائل نسبية. فثمة قوة ناعمة تقوم على التواصل مع الآخر، كما هو، وقبوله كما هو وتفهم دوره ويتفهم دورك. العالم له مصالح في المنطقة ونحن لنا مصالح وتالياً علينا المواءمة بين تلك المصالح، وإذا خرجنا على منطق القوة الناعمة. نكون خرجنا من الحصانة التي تستبيح الانسان.
• في واحدة من لحظات التأزم بين الولايات المتحدة وايران، اجرى السلطان قابوس إتصالاً بالرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، كما لعبت عُمان دوراً في اطلاق محتجزين اميركيين في طهران، هل كنتم تتوقعون الخروج من اللعب على حافة الهاوية والذهاب الى إنفراج؟
رقصة التانغو تحتاج الى شخصين، اذا كانوا مستعدين لـ "التانغو" فليرقصوا معاً، وإذا لم يرقصا معاً سيرقصون مع الذئاب وكلاهما سيتضرر. نحن نأمل بأن يرقصا معاً على قاعدة مواءمة المصالح.
غياب الأسرار
• تحدثت عن صحوة في العالم في اتجاه التعرف على الذات، وربما هذا ما شكل "الوصفة السحرية" لعُمان، هل انتم مقتنعون ان هذه الصحوة تدفع الغرب في اتجاه الحوار ام ان الامر مجرد تقطيع وقت؟
الحوار هو مساحة الحق في العقل. والصحوة هي ان العالم اصبح يفكر ملياً ويعرف بعضه البعض اكثر، وأصبح يعرف ميزان القوى لدى كل الاطراف، فلم يعد من اسرار في العالم، وتالياً فإن هذه الصحوة تمنع الانتحار، وعندنا مثل يقول صاحبة الابرة تحتاج الى صاحبة الخيط، فمهما كانت قوة المرء فإنه يحتاج الى الآخر رغم ان هذا الآخر قد يكون اقل قوة منه وربما في امكانه ان يؤذيه. وهذا يعني ان في الاماكن ايجاد آليات لوقف الأذى.
لم نشاهد بعد زهور"الربيع العربي"، ما زلنا نتخيلها. نحن جيل نشأنا على الوعود الخاسرة، وتالياً فإن المرء غير مستعد لتأمل شيء ثم يصاب بالخيبة، حتى الآن لم نر شيئاً.
• هل هذا يعني ان هناك آلية؟
لا شك ان العالم كله يسعى لإيجاد مخرج من حال الانتظار، وهي حال اقرب الى عدم الرضى على الواقع. ولهذا فإن ما يرشح عن لقاءات الحوار يؤشر الى ان العقل ما زال شغالاً، حتى الحروب تشكل احياناً نوعاً من الحوار بأسلوب مختلف نتيجة مصالح الاطراف ورؤاها.
• ماذا عن اسرائيل التي تواصل تهديداتها بتوجيه ضربة لإيران؟
والعكس صحيح مع التصريحات الايرانية ايضاً، هناك تبادل رسائل نارية، لكنني اعتقد انها لا تشكل بداية فعل. الظروف الدولية لا تقوم اليوم على مسلمات بل تقوم على تفاعلات. النشاط في اتجاه معين يولد تفاعلات تنجم عنه احياناً حالات إنشطارية، وأحياناً تصاب الحالة بتجمد مطلق، والحروب الكبيرة تقوم احياناً نتيجة احداث صغيرة. لذا فإن العالم كله يسعى لأن تحل المشكلة بطريقة او اخرى، خصوصاً اننا في هذه المنطقة نتمنى ان لا نرى حروباً جديدة، فآن لنا ان نستريح بعد كل تلك الحروب التي عشناها.
