لماذا تأجيل إعلان وفاة النظام؟

انتهى النظام السوري ولكن من دون ان ينتهي. انتهى منذ فترة طويلة. لكن اعلان الوفاة يتأجل يوميا في ضوء الحاجة الى اطالة عمر الازمة السورية التي هي ازمة نظام وكيان في الوقت ذاته. يبدو مطلوبا الانتهاء من الكيان والنظام معا. ولذلك يصعب تحديد متى انتهى النظام السوري فعلا. هل انتهى مع انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينات من القرن الماضي؟ يمكن افتراض انه انتهى وقتذاك نظرا الى انه كان جزءا من الحرب الباردة. لكن الرئيس الراحل حافظ الاسد عرف، بفضل مكره المعهود، ايجاد شريان حياة للنظام عندما ارسل قوات الى حفر الباطن شاركت الجيش الاميركي والتحالف الدولي في عملية تحرير الكويت من الاحتلال العراقي.

وقتذاك، لم يقبض الأب ثمن الرهان على الاميركيين ونجاحهم في اخراج صدام حسين من الكويت في سورية فقط. جدّد الاميركيون لوجوده العسكري في لبنان، على الرغم مما نص عليه اتفاق الطائف صراحة. اكثر من ذلك، سمحوا له باخراج ميشال عون، الجنرال المتمرد على الشرعية، من قصر بعبدا الذي احتله فترة لا بأس بها بدعم مباشر من الرئيس العراقي الراحل ونظامه البائس. كان صدّام، بغبائه المعهود، يظنّ ان في استطاعته استخدام ميشال عون في سياق المواجهة بينه وبين حافظ الاسد البعثي الآخر المتحالف مع خصمه الايراني من منطلق مذهبي لا اكثر ولا اقلّ.كان ذلك ممكنا لو لم يذهب صدّام بعيدا في مغامرته الكويتية المجنونة، خصوصا ان ميشال عون يظلّ، على رغم رعونته، اداة جيّدة.

في مرحلة لاحقة، عمل النظام السوري على شراء الوقت. شارك في مؤتمر مدريد للسلام الذي انعقد في اكتوبر 1991 كنتيجة مباشرة للانتهاء من الاحتلال العراقي للكويت. وتظاهر في السنوات التي تلت المؤتمر بانّه يريد فعلا السلام واسترجاع الجولان. الى ان تبين كلّ همه محصور في وضع اليد على لبنان من جهة وابقاء جبهة الجنوب مفتوحة من جهة اخرى. وهذا امر لم تعترض عليه اسرائيل يوما نظرا الى ان مصلحتها كانت دائما في بقاء الجيش اللبناني خارج الجنوب.

من يحتاج الى دليل على التفاهم السوري – الاسرائيلي الذي ظل معمولا به حتى صيف العام 2006 وصدور القرار الرقم 1701 عن مجلس الامن، يستطيع العودة الى العام 1998. فمن بين الاسباب التي ادت الى فرض قائد الجيش اميل لحود، رئيسا للجمهورية، منعه في العام 1996 الجيش اللبناني من دخول جنوب لبنان على الرغم من اتفاق بين الرؤساء الثلاثة على ذلك.
لعب الأسد الاب ورقة المفاوضات من اجل استرجاع الجولان بشكل جيّد. استخدم الورقة الى ابعد حدود في عملية كسب الوقت واعداد نجله بشّار لخلافته، خصوصا بعد مقتل نجله البكر باسل في حادث سير في العام 1994. من الناحية التكتيكية. تمكّن الاسد الاب من تمهيد الطريق امام التوريث. ولكن، في السنوات الاخيرة من حكم حافظ الاسد، حصل تحولان مهمان سيظهر تأثيرهما بعد وصول بشّار الى الرئاسة في يونيو من السنة 2000.

كان التحول الاول امساك افراد العائلة بكل مقاليد السلطة. شمل ذلك استبعاد كبار الضباط العلويين او السنّة الآتين من الارياف الذين كانوا حلفاء لحافظ الاسد وغطاء لحكمه.
اما التحوّل المهمّ الآخر، فقد تمثّل في زيادة النفوذ الايراني في سورية ولبنان مع اضطرار بشّار الاسد الى التعاطي مع المستجدات الاقليمية. من بين المستجدات «الحرب الاميركية على الارهاب» بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ثم بدء الاعداد لاجتياح العراق. بدا النظام في تلك المرحلة وكأنه فقد توازنه. فقد ما يمكن تسميته بـ «العدو المفيد» المتمثل بالنظام العائلي- البعثي لصدّام حسين. كانت تلك الخسارة منعطفا اساسيا اوصل النظام الى اتخاذ قرارات لا تدل سوى على انه عاجز عن التعاطي مع الواقع المتمثل في فقدان احدى علل وجوده…اي ايجاد توازن مع النظام العائلي- البعثي الآخر الحاكم في العراق!

قاد فقدان التوازن الى قرارات مجنونة تشبه الى حدّ كبير قرار صدّام باجتياح الكويت صيف 1990.
جاء التمديد لاميل لحّود على الرغم من صدور القرار 1559 بمثابة تأكيد لحال فقدان التوازن التي ادّت الى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه والى الخروج العسكري من لبنان. جعل هذا الخروج الذي ترافق مع جرائم اخرى، استهدفت تغطية جريمة الرئيس الحريري، النظام السوري تحت رحمة النظام الايراني اكثر من اي وقت.
تأخر سقوط النظام السوري كثيرا. هل كان مطلوبا ان تسقط سورية ايضا مع النظام فجرى تطويل الحبل لأركانه كي يضعوا موضع التنفيذ شعار «عليّ وعلى اعدائي يا ربّ» الذي رفعه السيّد رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري منذ بداية الثورة الشعبية قبل سبعة عشر شهرا؟

في الثامن من نوفمبر 2011 كتب انطوني شديد في «نيويورك تايمز» مقالا تحت عنوان: «في سورية الاسد لا وجود لمخيّلة». في ذلك المقال، يقول الصحافي الاميركي اللبناني الاصل – الذي توفي اثر ازمة صحية تعرّض لها في فبراير الماضي بعد دخول الاراضي السورية من لبنان، ان رامي مخلوف يوحي، بأن سورية كلها ارضا وشعبا «ملك للعائلة». كلّما استعاد المرء قراءة مقالات انطوني شديد، يتأكد امرين. اولهما، انه من افضل الذين فهموا سورية بشكل عميق. امّا الامر الآخر فهو، ان المطلوب الانتهاء من النظام على مراحل، اي من دون عجلة او استعجال، وذلك من اجل تفتيت الكيان السوري، خصوصا ان تصرفات هذا النظام محسوبة جيدا في ظل فقدانه اي مخيّلة من اي نوع كان!  

السابق
لبنان تحت عجز الطاولتين!!
التالي
منطقة آمنة للعزل أم للوصل؟