خراب سوريا حيث لا ينفع الدم

إنّ آخر إحصائيات المنظمات المعنية بمتابعة حملات انتخابات الرئاسة الأميركية أظهرت أن حملة الرئيس باراك أوباما أنفقت حتى الآن نحو مئة مليون دولار أميركي على الدعاية التلفزيونية وحدها، فيما أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز أبحاث "بيو" تراجع شعبية منافسه المرشح ميت رومني خلال حزيران الماضي، خصوصاً في ما يتعلق بقدرته على تحسين اداء الاقتصاد الاميركي.
هذه الارقام والنتائج هي بداية المطاف وليست نهايته، في موضوع الانتخابات الاميركية التي ستستعِر حرارتها ابتداء من الشهر المقبل. واذا كانت كل المؤشرات الاميركية تدلّ الى أن اوباما هو الاوفر حظاً من خصمه رومني، فإن الرئيس الأميركي، ومن ورائه الادارة بكلّ تفاصيلها، لن يخاطر في دعم اسرائيل في شن حرب على ايران او التدخل العسكري في سوريا بما يؤثر سلباً في مسار الانتخابات.

لكن هذا لم يمنع اوباما الجمعة الماضي من توقيع قانون لتعزيز التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل، عشية زيارة خصمه رومني لـ تل أبيب.

وينصّ القانون الذي صادق عليه الكونغرس الأسبوع الماضي، على زيادة الدعم العسكري لإسرائيل وتوسيع الشراكة في مجال أنظمة الصواريخ الدفاعية. ومن الطبيعي ان اوباما يسعى من خلال هذا التوقيع إلى حشد التأييد بين الناخبين اليهود الأميركيين، وإلى تفنيد اتهامات رومني له بتقويض علاقات واشنطن مع شريكتها الأولى في الشرق الأوسط.

ولم تكن تصريحات رومني في اسرائيل مفاجئة، عندما قال إنه سيدعم أي قرار تتخذه اسرائيل في الموضوع الايراني. لكن اوباما ورومني متفقان على انه لا يجوز لأيّ موضوع خارجي ان يؤثر في مسار الانتخابات الاميركية، فالاول يريد الاستمرار في معركته التي يعتبرها مضمونة، والثاني لا يملك ان يقدم اي شيء لإسرائيل خلال الحملة الانتخابية سوى المواقف الداعمة لها.

من خلال هذه المقدمة لواقع الحال الاميركي، يؤكد معظم الخبراء ان الازمة السورية ستظلّ تراوح مكانها الى ما بعد الانتخابات الاميركية، إلّا إذا حصل ما يغيّر الاوضاع في الداخل، كحصول انقلاب او نجاح عملية استهداف للرئيس السوري بشار الأسد، او حصول انشقاقات على مستويات قياسية، وهذا ما لا يبدو واضحاً في الافق المنظور.

لكن هل ستسمح الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، ومن ورائهما غالبية الدول العربية، بنجاح النظام السوري في القضاء على الانتفاضة السورية واستطراداً "الجيش السوري الحر"؟ وما هي الآليات التي يمكن اتباعها للحفاظ على مسار الاوضاع على ما هي عليه او إنجاح المعارضة في تحقيق أهدافها بإسقاط النظام من الداخل؟
في المعلومات انّ محمد مخلوف وصل الى موسكو قبل اسبوعين، وهو يقيم في فندق "راديسون أوكرانيا" سابقا، بشارع كوتوزوف في قلب العاصمة الروسية.

ومخلوف (المولود في عام 1932) هو خال الاسد، ومن أغنى رجال الاعمال السوريين، وهو والد رجل الاعمال رامي مخلوف الذي يسيطر على قطاع واسع من النشاط التجاري في الجمهورية.

وفي التقارير الاعلامية ايضا، انّ افرادا من عائلة الاسد غادروا دمشق الى جهة خارجية، وإن كان بعض وسائل الاعلام السورية يؤكد أن عقيلته ما زالت الى جانبه.
وهذا يعني ان كل الامور مرهونة بتطور الواقع الميداني على الارض ومدى قدرة الفرقة الرابعة بقيادة العميد ماهر الاسد والحرس الجمهوري، ومعهما "الشبيحة، أي الميليشيات العلوية"، كما تصفها التقارير الغربية، وبعض الموالين من الجيش السوري، على الإمساك بزمام الموقف وإنهاء العمليات العسكرية في زمن قياسي يعيد هيمنة الجيش على مقدرات الامن، ويبسط سيطرة النظام على المدن الرئيسية، على ان يُصار الى عمليات تنظيف وتمشيط للقرى النائية تباعاً، على حد قول مصدر عسكري سوري لـ"الجمهورية".

لكن المراقبين يعتبرون أن مستقبل الأسد بعد تفجير مبنى الامن القومي ومقتل القادة فيه، وتوَلّي شقيقه مهمات قيادة العمليات بمعزل عن رأي شقيقه الرئيس، ووصول الاوضاع في سوريا الى هذه المرحلة من الخراب والدمار وعدم القدرة على الامساك بالوضع السياسي، بات مضموناً، فسواء تنحّى او استقال او غادر البلاد أو قُتل او حصل انقلاب عليه، لم يعد له دور، وأنه هو شخصياً بات لا يشكّل شيئاً بالنسبة الى مستقبل سوريا الجديدة.

لقد انقضَت مرحلة تحقيق تسوية سياسية في سوريا برعاية دولية، في ظل خطة مبعوث الامم المتحدة كوفي عنان التي حاولت الحفاظ على نظام هش في سوريا لكسب مزيد من الوقت لإحداث التغيير السياسي السلمي، أي الديناميكية نفسها التي اتبعت إزاء العنف الطائفي الذي حصل في يوغوسلافيا السابقة ابتداء من عام 1991 فصاعدا، وفي كوسوفو عام 1999، أو سيراليون في عام 2000، وهذا ما يحصل في نحو متزايد الآن في جميع أنحاء المدن الرئيسية في سوريا. ولم يعد بإمكان المنظمة الدولية المضي في إضاعة الوقت الى ما لا نهاية.

في المقابل، فإن المعارضة المسلحة لا تملك الّا التعاون مع كل القطاعات والفئات لتحقيق اهدافها. ومن هنا، تجد نفسها جنبا الى جنب مع فئات إسلامية، مثل "القاعدة" و"الاخوان المسلمين" وغيرهما، من دون أن تكون قادرة على الجهر بخلافها معها في التفاصيل.

كل هذا يدفع بالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الى انتهاج اسلوب دعم المعارضة العسكرية بمزيد من الوسائل التي تمكنها بالدرجة الاولى من البقاء، وفي المرحلة الثانية من تحقيق أهدافها، وهو ما اعلنه وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الاسبوع الماضي، عندما قال إن معركة حلب كشفت ان الدول الغربية عليها مسؤولية توسيع نطاق المساعدة للقوى العسكرية المناوئة لنظام الاسد.

يبقى أنّ التدخل الخارجي مستبعد في ظل الانتخابات الاميركية، لكن المساعدات للقوى العسكرية المناهضة للأسد سترتفع وتيرتها في قابل الايام بنحو بالغ الوضوح. لكنّ المؤكد ان الدمار في سوريا لن يترك مدينة او قرية إلّا ويطاولها، ولن تنفع النظام القوة العسكرية الجوية او الصاروخية للدفاع عن بلد يغشاه الخوار، وأهله منتشرون على جنبات الحدود لا يملكون سوى الدعاء…  

السابق
غياب اللقاءات
التالي
الاخبار: أزمة المياومين: لقاء ليليّ لتفادي التفجير