بري ينفض يده من المياومين..

بات مسار العلاقة بين رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري في المدى المنظور، مرتبطا بما ستؤول إليه "وساطة المياومين" التي يقوم بها سعاة الخير بين الرابية وعين التينة، بعدما اصبح التحالف بينهما فجأة.."مياوما". ولئن كانت المؤشرات التي ظهرت خلال الايام الماضية قد اتسمت بالايجابية، إلا انه يبدو ان هناك حاجة لبذل المزيد من الجهود لتجاوز المصاعب التي ما تزال تعترض مهمة الوسطاء.
وفيما اعتصم بري بالصمت، يقول المقربون منه انه نفض يده شخصيا من التفاوض مع الوسطاء في ملف المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان، وانه كلف معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل متابعة هذه القضية مع الافرقاء المعنيين، على قاعدة الاستعداد للقبول بما يقبل به المياومون أنفسهم ومن يتولى مفاوضتهم، أيا تكن الصيغة التي يمكن ان يوافق عليها هؤلاء مجتمعين.

وعُلم في هذا الإطار ان بري أعرب عن استعداده للمساعدة في تحويل ما يمكن الاتفاق عليه بين المياومين ووزير الطاقة جبران باسيل الى قانون، بمعزل عن مضمونه، ما دام ان هذا المضمون سيحظى بموافقة الطرفين المعنيين.
وفي المعلومات، ان بري اتخذ قرار الابتعاد عن دائرة التفاوض المباشر بعدما لمس ان بعض قياديي "التيار الوطني الحر" يواصلون شن الحملات عليه، في موازاة أقنية الحوار المفتوحة مع "التيار" عبر الوسطاء المتطوعين للتقريب في وجهات النظر، من رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية الى الوزير محمد فنيش والحاج حسين الخليل.

ووفق المقربين من بري، فان الاخير أبدى استياء شديدا من استمرار الهجوم السياسي ضده من قبل شخصيات في "التيار الحر"، بما يتعارض مع الجهود المبذولة لحل هذه المشكلة والتي كانت قد قطعت شوطا لا بأس به في الايام الاخيرة. ويُنقل عن بري قوله في هذا المجال ان ما يثير الاستغراب هو ان هناك من يصر على المضي في التصعيد الاعلامي والسياسي، "برغم انني طلبت من كل قياديي حركة "أمل" عدم الدخول في سجالات سياسية مع "التيار الحر" والاكتفاء بتأكيد أحقية مطالب المياومين من الناحية الانسانية".

وتبعا لأجواء عين التينة، قرر بري إعطاء فرصة إضافية لاستكمال مساعي الحل وبالتالي عدم التعليق على الانتقادات التي وُجهت إليه، حتى الآن، مكتفيا بان ينحصر رد فعله في الوقت الحاضر ضمن حدود تسليم دفة التفاوض لمعاونه السياسي (الوزير علي حسن خليل).
ويؤكد المحيطون ببري انه إذا تكررت الحملات، فان بري سيكون له موقف آخر وسيفاجئ الجميع برد مستند الى وثائق ووقائع، من شأنها ان تضع النقاط على الحروف وتكشف عن حقائق الأمور.
ويشدد المقربون من رئيس المجلس على ان بري لا يكن أي مشاعر سلبية حيال العماد ميشال عون تحديدا، وانه يُقدّر جيدا أهمية التحالف القائم معه، ويدرك مردوده الكبير على خيار المقاومة من ناحية وعلى موقع الجنرال في الساحة الداخلية من ناحية أخرى، وبالتالي فان بري- كما يجزم العارفون- ليس بصدد العبث بهذه المعادلة الدقيقة والاستراتيجية، في هذه اللحظة التاريخية، تحت وطأة خلافات جانبية او حسابات ظرفية.

ويعتبر هؤلاء ان ما يساعد على حماية هذه المعادلة الوطنية هو ان يلاقي الطرف الآخر بري في منتصف الطريق، وان يتجنب محاولة حشره في الزاوية الضيقة حيث تصبح الخيارات محدودة، لافتين الانتباه الى ان بري لم ينطلق في دعمه للمياومين من خلفية طائفية كما يوحي "التيار الحر"، بل من قناعته بعدالة قضيتهم، تماما كما فعل حين خاض معركة شرسة في الماضي لتثبيت 97مياوما في مؤسسة "الريجي"، كانوا في معظمهم من المسيحيين وربحوا قضيتهم أمام الهيئات القضائية المعنية.
وينبه المحيطون ببري الى انه إذا أصرّ البعض على مقاربة ملفات الادارة والوظائف من زاوية طائفية، خلافا لما ورد في اتفاق الطائف الذي يحصر المناصفة بالفئة الاولى، فان بري عندها سيذهب في هذه اللعبة حتى النهاية، على قاعدة "من حضر السوق باع واشترى"، وإذا أرادوا ان يتجردوا من الحسابات الطائفية فهو سيكون في طليعة الصفوف.

ويكشف المقربون ان بري ابلغ قيادة "حزب الله" انه يتفهم متطلبات التحالف مع عون، ويعفيها من أي إحراج قد يُرتبه عليها الخلاف الحاصل حول ملف المياومين. ووفق المعطيات المتوافرة بحوزة المطلعين فان بري طلب من قيادة الحزب ان "تتحرر" منه في هذه القضية، وان تقف الى جانب عون بلا تردد، مؤكدا لها انه لن يتحسس من موقف كهذا نهائيا.
وأشد ما يزعج بري في هذه الايام، كما ينقل عنه المحيطون به، هو التلهي بالخلاف على "تثبيت" المياومين، بينما المنطقة كلها تغلي وسوريا تحترق، على وقع مخطط يهدف الى "تثبيت" الفتنة المذهبية، مشيرا الى ضرورة ان يتصرف اللبنانيون بأعلى قدر متاح من المسؤولية وصولا الى الترفع عن التفاصيل الصغيرة، لصالح تأمين أفضل الشروط لمواجهة التحديات الداهمة.

ولا يخفي بري في هذا السياق قناعته بان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تستطيع ان تفعل أكثر مما فعلته حتى الآن، "من دون ان يعني تقصيرها انه يجب إسقاطها، لانه ما من بديل عنها حاليا"، واصفا إياها بـ"الشر الذي لا بد منه"، تبعا لما يرويه المقربون من رئيس المجلس.
وبما ان الوضع الداخلي حساس، ولا يحتمل المزيد من الاهتزازات، يبدي بري شيئا من القلق والتوجس حيال بعض المواقف الاخيرة للنائب وليد جنبلاط، خصوصا ما يتصل منها بعلاقته مع "حزب الله" والسيد حسن نصرالله، وهو الامر الذي سيدفع رئيس المجلس خلال الايام المقبلة الى التواصل مع جنبلاط لاحتواء "جرعاته السياسية الزائدة" عشية ترقبه لموعده السعودي.  

السابق
السفير: المعلم في طهران: نريد من لبنان المساعدة في منع تسلل الإرهابيين
التالي
المخطوفون في سوريا