لبنان المهدّد بالخطر حقيقة أم تضخيم؟

هل لبنان في خطر متزايد فعلا أم هو ترويج اعلامي وسياسي يبالغ في تصوير مخاطر يمكن ان تهب على لبنان اذا سقط نظام الرئيس السوري بشار الاسد بدليل العاصفة التي تطاوله على صعد عدة بهبة باردة من هنا واخرى ساخنة من هناك نتيجة ما يحصل الان في سوريا؟

لا يمكن بالنسبة الى مصادر معنية الا يكون لبنان في خطر اذا اخذت في الاعتبار بضعة عوامل ظاهرة قد يكون في مقدمها التهديدات التي تطاول بعض رجال السياسة في لبنان ومحاولات الاغتيال التي تستهدف رجالات قوى 14 آذار خصوصا. ويسجل غياب غالبية هؤلاء عن الافطار في قصر بعبدا وهم من اركان طاولة الحوار مؤشرا لا يوحي بالاطمئنان بغض النظر عما اذا كانت التهديدات بالاغتيالات هي السبب الاساسي وراء غيابهم ام لا. لكن التهديدات باتت تحمل السياسيين على ادارة شؤون احزابهم وتياراتهم من بعيد او من وراء الشاشات بما يؤشر الى دقة المرحلة التي يحذر منها هؤلاء. وقد شكل الاعتراض من قوى 8 آذار على موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان على ابلاغ السفير السوري في لبنان احتجاجا على الخروقات السورية للاراضي اللبنانية مؤشرا غير مريح كون هؤلاء تجاهلوا التعدي على السيادة اللبنانية في البقاع والشمال وهروب اهالي القرى الشمالية المسيحية والمسلمة في عكار المجاورة للحدود من قراهم الى المدن نتيجة القذائف السورية التي تستهدف هذه القرى في الوقت الذي تعترض قوى 8 آذار على ما تعتبره خروقات لبنانية للاراضي السورية في موقف يزيد تبعة الانقسامات الداخلية على المستويين السياسي والشعبي.

كما لا يمكن الا يكون لبنان في خطر قياسا على اتهام "حزب الله" بالعملية التي استهدفت سياحا اسرائيليين في بلغاريا ولو ان الحماسة الاسرائيلية قد خفتت بعد تصعيد اعقب هذه العملية وعلى اثر ضربة وجهها الاتحاد الاوروبي الى اسرائيل نتيجة رفض طلبها وضع "حزب الله" على لائحة الارهاب. وتقول مصادر رسمية ان لديها ضمانات من جانب الحزب بانه لن يقوم باي استفزاز في الجنوب بما يمكن ان يستدرج حربا اسرائيلية عليه ولن يقوم ايضا باستخدام اسلحته في الداخل بما يمكن ان يساهم في تسعير الفتنة الشيعية السنية. وهو ما ابلغ الى مصادر ديبلوماسية عدة تبدي قلقها على الوضع اللبناني لهذه الجهة. الا ان هذه المصادر الديبلوماسية ومع اخذ هذه التطمينات في الاعتبار الى جانب اعتقادها نتيجة اتصالاتها المباشرة مع الاحزاب والتيارات ان السياسيين اللبنانيين اعتبروا من الحرب الاهلية ولن يكرروها مجددا تظل تبدي مخاوفها على استقرار لبنان خصوصا في ظل الانقسامات الحادة التي تعصف به الى جانب مخاوفها من حسابات خارجية مفاجئة لافرقاء اقليميين. وهي تكشف عن جهود يبذلها الغرب من اجل حماية استقرار لبنان وبالتعاون مع السلطات ومع كل الافرقاء.

يضاف الى ذلك المخاوف من استمرار الحرب في سوريا وفقا للمواقف التي اعلنها مسؤولون ايرانيون في الايام الاخيرة والتي ترافقت مع محاولة النظام استعادة المبادرة في الهجوم من اجل السيطرة مجددا على العاصمة السورية وعلى مدن اخرى. اذ لفت هذه المصادر توصيف المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي للحرب في سوريا بحيث رفعها الى مرتبة دينية تقريبا مما يخشى معه ان تكون حربا مطلقة ومفتوحة ولا هوادة فيها. ومع ان هذه المصادر تلحظ تغيرا في المواقف الايرانية بعد مواقف متكيفة او مستعدة للتكيف مع سقوط الاسد تعيدها الى فشل المفاوضات حول النووي او الى رفض ايران عزلها عن اي حل او تسوية في سوريا وتاليا رغبتها في حجز حصة لها في سوريا المستقبل، فان تعقيدات الوضع في سوريا تساهم في زيادة تعقيدات الوضع في لبنان ايضا وتزيد نسبة القلق خصوصا مع كلام يشيعه القريبون من النظام تحديدا حول احتمالات التقسيم في سوريا من اجل اخافة دول المنطقة ومنع الدول الغربية من الدفع في اتجاه الرحيل.

وتقول المصادر ان القلق لدى اللبنانيين واضح وهو اقوى من اي شعور بالطمأنة تقدمه السلطة في حين انها لا تفعل فعلا اي انها لا توفر عوامل اطمئنان بل تتصارع الاكثرية في ما بينها بما يساهم في تعزيز القلق القائم اصلا من خلال مظاهر تفكك الدولة واهترائها وعدم قدرتها على فرض سلطتها على قطاع الشوارع وعلى النقابات او على اي تحرك اعتراضي لاي سبب كان على نحو ظاهر للعيان اكثر من اي وقت مضى ما خلا مرحلة الحرب.  

السابق
إنتقاد و نقمة
التالي
الاخبار: الأكثرية تطوي خلافها وتبحث عن مخرج لائق