فضل الله: نأمل أن تعود جلسات الحوار إلى الانعقاد

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

" عباد الله، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، ولنحرص على استذكار المناسبة العزيزة المنتظرة في الثاني عشر من شهر رمضان، وهي إعلان الأخوة بين المهاجرين والأنصار، هذا الإعلان الذي تم تحت عين رسول الله(ص) وبتوجيه منه، والذي كان الهدف منه إخراج فكرة الأخوة الإيمانية التي أشار إليها الله سبحانه وتعالى بقوله: {إنما المؤمنون أخوة}، من دائرة النظرية إلى دائرة التطبيق، بحيث تتحول هذه الأخوة الإيمانية، الأخوة في الله وفي السير على هديه، إلى أخوة عملية تتحرك في المشاعر والأحاسيس وفي السلوك والعمل. وقد ساهم هذا الإعلان في تعزيز قوة المسلمين وصهرهم وتماسكهم، وأذاب كل الحساسيات التي كانت موجودة بين أبناء القبائل والعشائر والبلدان، أو الاختلاف في الموقع أو اللون، بحيث صار المسلمون يشعرون بأنهم ينضوون في كنف أسرة واحدة، كل واحد من أفراد هذه الأسرة يشعر بمسؤوليته عن الآخرين بما يوازي أو يفوق مسؤوليته الأخوية في النسب".

وأضاف:"لقد عبر المسلمون عن هذه الأخوة أفضل تعبير في ممارستهم، لا سيما في علاقة المهاجرين بالأنصار، عندما كان الأنصاري يتقاسم مع المهاجر ماله وبيته وأرضه ولقمة عيشه وقد يؤثره على نفسه، بعدما خرج المهاجرون من مكة وليس معهم شيء هربا من طغيان قريش، وإلى هذا أشار الله سبحانه {والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}[الحشر:9]. هذه الأخوة التي عاشها المسلمون بأجمل صورها وأرقاها، هي التي جعلتهم أقوياء متماسكين يواجهون قريش، أقوى قوة في الجزيرة العربية، ويقفون في وجه مؤامرات اليهود والمنافقين، وينتقلون من الضعف إلى القوة، ومن الصبر على الألم إلى الانتصار على مسببيه. هذه الأخوة هي التي يحتاج المسلمون إلى إحيائها في واقعهم لتذيب كل الحساسيات التي تحدث نتيجة تنوع مذاهبهم ومراجعهم ومواقعهم السياسية".

وتابع:"إننا نريد للمسلمين أن يقوموا بمسؤولياتهم تجاه هذه الأخوة، وأن يعتبروها أقوى من أي رابطة أخرى، كونها تتصل بالإيمان بالله والإيمان برسوله، بالقرآن الواحد، والقبلة الواحدة، والأهداف والمنطلقات الواحدة. إننا ندعو المسلمين، الذين تعمل كل قوى الاستكبار في هذا العالم على شرذمتهم، على جعلهم شيعا متمزقين متنافرين متباغضين، يقتل بعضهم بعضا، ويتآمر بعضهم على بعض، ويكيد بعضهم لبعض. ندعوهم إلى أن يكونوا في ممارستهم كما أرادهم رسول الله: "كونوا أخوانا بررة، متواصلين متراحمين"، أن يعيشوا الأخوة فيما بينهم، لا تقف أمام أخوتهم حواجز المكان ولا المذاهب، بحيث يكون اللبناني أخ الفلسطيني، والفلسطيني أخ السوري، والسوري أخ العراقي وهكذا، فلا يشعر أي واحد أن لا علاقة له بآلام الآخر ومعاناته".

وقال :"من هنا علينا أن نشعر بأن ما يصيب الفلسطينيين من سياسة القمع والبطش التي يمارسها العدو الصهيوني، وآخرها الدخول إلى حرم المسجد الأقصى واعتقال أحد أئمته وطرده المعتكفين منه بالقوة، وقراره بإزالة ثماني قرى فلسطينية وتشريد أهلها، يعنينا لأنهم أخوتنا. ما نريده للشعوب العربية والإسلامية أن يبقى نظرها مشدودا إلى خطر هذا الكيان، وألا تستبدل هذا العدو بعدو آخر، كما يسعى الآن ليصبح العدو بلدا عربيا أو إسلاميا أو طائفة أو مذهبا ينبغي أن تبقى المشكلة في الكيان الصهيوني".

أضاف :"من فلسطين إلى العراق، حيث التفجيرات الوحشية الدامية والوحشية، التي حصدت مئات القتلى والجرحى، إلى جانب سياسة القتل التي تهدف إلى تعطيل الحوار الجاري بين مكوناته السياسية، وإبقاء العراق في دائرة الاهتزاز وعدم الاستقرار، حتى لا يقوم بدوره الريادي على مستوى العالم العربي والإسلامي. إن كل هذا الواقع الدامي ينبغي أن يكون حافزا للعراقيين لمتابعة الحوار فيما بينهم للوصول إلى قواسم مشتركة تضمن للعراق الأمن والاستقرار وتساهم في تحريك العجلة السياسية فيه، وتمنع العابثين من التكفيريين وغيرهم من العبث بأمنه وجره إلى الفوضى والفتن. وإنه لمن المخجل والمعيب، وفي أجواء هذا الشهر المبارك، أن تنطلق أصوات التكفير والتطرف المذهبي لدعوة المسلمين في العالم إلى الانخراط في عملية القتل في العراق، من خلال هكذا عمليات قاتلة، بدلا من أن يدعو هؤلاء إلى توحيد الصفوف، لينطلق المسلمون جميعا في عملية تحرير بيت المقدس، ورفع الظلامة الكبرى عن الشعب الفلسطيني. إن على حكماء المسلمين وعقلائهم وعلمائهم أن ينبهوا إلى ذلك، وأن يستنكروا العمليات الإجرامية في العراق وغيره، حتى لا تجد الجهات التكفيرية في صمت هؤلاء مبررا لها في توسيع دائرة إجرامها، واستمرارها في هذا المسلسل الذي يمثل خطرا داهما، ليس على العراق فحسب، بل على مسيرة الوحدة الإسلامية كلها".

وتابع:"أما سوريا، فقد قررت المحاور الدولية أن تستمر حال الاستنزاف الدموي فيها إلى أبعد الحدود، وهي تتحدث علنا عن أنها ترفض الحوار والتسوية، وتميل إلى تسهيل كل عمليات التسليح والاقتتال الذي يجعل من سوريا ساحة قتل دامية، يسقط فيها الأبرياء، وتستنزف فيها كل مواقع القوة في هذا البلد، الجيش والشعب، لتخلو الساحة أمام الكيان الصهيوني. إننا إذ نشعر بالأسى حيال كل ما يجري من تدمير ونزيف دم في هذا البلد العزيز، نؤكد مجددا على كل مكونات هذا البلد أن الحل لا يمكن أن يتم إلا من خلال مصالحة وطنية تنطلق من حوار جدي تساهم كل الأطراف في إنجاحه، حتى لا يقع هذا البلد فريسة التدخل الدولي الخارجي، أو الحرب الأهلية الدامية التي لن تبقي ولن تذر، أو التقسيم، وإن كنا لا نرى واقعية لهذا الخيار. لقد آن الأوان لأن يتحرك كل الذين يريدون خيرا للعالم العربي لمنع استمرار كل هذا النزف الذي لن يكون إلا في خدمة الكيان الصهيوني الذي سيرتاح كثيرا عندما يسقط أي موقع من مواقع القوة التي كانت في مواجهته. إننا رغم كل هذه الجراح والآلام نبقى نتطلع إلى وعي السوريين وكل الغيارى على هذا البلد ليعيدوا إلى هذا البلد دوره الريادي في مواجهة العدو الصهيوني والاستكبار العالمي. وفي هذا الإطار، ندعو أهلنا إلى استقبال النازحين السوريين المسالمين، وتقديم ما يمكن تقديمه لهم حسب الإمكانات المتاحة، وخصوصا في شهر رمضان الكريم، فالكل يعرف كيف استقبل الشعب السوري أهلنا إبان الحرب الصهيونية في تموز من العام 2006، وينبغي لنا أن نرد التحية بمثلها وأحسن منها، وعلينا جميعا أن نعمل لحماية هؤلاء ومنع الاعتداء عليهم أو خطف بعضهم تحت أي اعتبار أو ذريعة، ولا يجوز لنا أن نلجأ إلى أساليب الآخرين التي يرفضها الإسلام جملة وتفصيلا، ولا تزر وازرة وزر أخرى".

وقال:"نحن في الوقت عينه، نكرر الدعوة إلى خاطفي الزوار اللبنانيين إلى إطلاق سراحهم وعودتهم إلى أهلهم، احتراما لهذا الشهر الكريم، لا أن يدخلوا هؤلاء الزوار في حسابات لا علاقة لهم بها، كما ندعو الذين كانوا يتابعون هذه القضية إلى الاستمرار في متابعتها حتى يمنعوا كل التداعيات التي قد تحصل عندما تصل الأمور إلى طريق مسدود".

وأضاف:"أخيرا، نطل على لبنان الذي كنا نتطلع إليه من نافذة الأمل في جلسات الحوار التي أعادت البلد إلى دائرة الحوار بدلا من التراشق الكلامي الحاد الذي يترك أثرا بالغ السلبية على الشارع، ولقد كنا نأمل أن تؤسس هذه الجلسات لرؤية وطنية جامعة، تشكل مظلة حامية للبلد في الحاضر وقادم الأيام، ولكننا فوجئنا، كما كل اللبنانيين بأن حبل الحوار قد انقطع نتيجة الشروط والشروط المضادة. وبرغم كل ذلك نأمل ألا يكون ما حصل قرارا نهائيا بل موقتا وقابلا للعلاج، وأن تعود جلسات الحوار إلى الانعقاد، وندعو إلى دراسة كل الهواجس من داخل الحوار لا من خارجه، واجتراح الحلول السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتوخاة للبلد، ومنع أي انعكاسات لما يحصل في سوريا على الأمن اللبناني، والذي بدأت تداعياته، ولا سيما على الحدود، حيث باتت معاناة اللبنانيين تكبر على مر الأيام، ما تستدعي إعلان حال طوارئ من كل المسؤولين ومنع سقوط هذا البلد تحت أزماته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية، وحتى تلك التي وصلت إلى طلابه هذا العام".

وختم:"أيها المسؤولون، كونوا أمناء على المسؤوليات التي حملكم الناس إياها، أخلصوا لهم، ولا توصلوا الناس إلى حد اليأس في كل واقعهم، فيضيع البلد. فماذا تربحون لو خسرتم ثقة الناس، أو جعلتموهم يهيمون على وجوههم في هذا العالم الواسع؟".  

السابق
احمد قبلان:لوقف الخلافات والمساجلات والبحث بجدية وعقلانية
التالي
سعد: التحضيرات جارية لاضراب الاثنين واعتصام الاسير استفزازي عدائي