السيرة الذاتية للفساد

اسمحوا لي ونحن في هذا الشهر المبارك، أن أتذاكر وإياكم سيرة الفساد ( الزفرة)، وكيف جاء إلى الدنيا وكيف يتلون، وبالمرة كيف أننا نصافحه دون أن ندري، وبعد ذلك لكم الخيار في ما ترونه مناسبا.
والفساد – وكل عام وانتم بخير – يتلون كالحرباء، ويتنوع كتنوع الحشرات التي تدب على الأرض، ويظن الكثيرون منا أن الفساد هو الفساد الأخلاقي فقط، كشرب الخمر أو الزنا – أجلكم الله – وتلك هي ألطف أنواع الفساد وارقه، لأنها واضحة ويمكن السيطرة عليها، ولكن ما قصدته هو الفساد المالي، والفساد السياسي، والفساد الإداري، والتي لو اقتفيت آثارها لانتهيت إلى نتيجة واحدة هي أنها صورة أخرى من صور الخيانة العظمى للناس وللوطن.
أما كيف يكون ذلك، فالأمر بسيط، فلو فرضنا أن هناك فسادا ماليا،كانتشار الرشوة في الوزارات أو الشركات لا سمح الله – فإن من سيقبل الرشوة لن يشترط على الراشي أن يكون مواطنا صالحا، فالمرتشي كل همه المال، ولن يفكر في دوافع الراشي ونواياه، ومن الممكن هنا أن يكون الراشي جاسوسا أو عميلا لدولة معادية.
أما الفساد الإداري فهو أداة الفساد السياسي والمالي وابنهم البار، ولكم أن تحصوا عدد من تولوا مناصب إدارية وقيادية في الدولة، وهم غير مؤهلين حتى لقيادة قطيع من البهائم، وفوق هذه المصيبة سنحصل على قيادي مهمته الأولى والوحيدة هي تحقيق رغبات من أوصله لهذا المكان!

والفساد هو لفظة محببة نستر بها عورة الجريمة التي نتحدث عنها لأنها في الحقيقة خيانة للأمانة، والأمانة هنا هي الناس (والوطن ثم الوطن ثم الوطن).
والفساد لا يعيش إلا في الفوضى، وعندما يدوخ الناس، ويختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين، بل إن الفساد يحارب من أجل خلق الفوضى، فهي الأرض الخصبة التي ينمو ويترعرع (ويربع) فيها، وعلامات الفساد الواضحة ولكن المواطن الصالح لا يفهمها، وقد يتصور أنها الروتين سامحه الله! ولكن كن حذرا فعندما تمر وتلاحظ أن أمة لا إله إلا الله مزدحمة وتستعطف مديرا أو موظفا في مكتبه فاعرف أنك وجها لوجه أمام الفساد، وعندما ترى أن جميع المعاملات يجب أن تستثنى من المدير أو الوكيل فأنت تشاهد الفساد بأم عينك، وعندما يعطيك الموظف موعدا تتقطع دونه ظهور الإبل، فأعلم أنه شريك في الفساد. وعندما ترى الموظف لا يستخدم الكمبيوتر الذي أمامه في عمله، فاعلم أنه يخشى من اكتشاف أمره، وعندما تشاهد المسؤول يأتي مبكرا جدا، ويخرج متأخرا جدا من العمل، ومع ذلك لا يتمتع بإجازته السنوية، فهو فاسد ويخشى أن ينكشف أمره بعد خروجه، وعندما ترى المسؤول في منصبه لا يتزحزح ولا يستبدل رغم عاديات الزمن فأنت أمام هرم من صناعة الفساد.

والمشكلة أننا لن نستطيع القضاء على الفساد المالي والإداري في الدولة ما لم نقض على الفساد السياسي، فهو كبيرهم ومعلمهم السحر، وهنا (لا يفل الحديد إلا الحديد) ولن يقضي على الفساد السياسي سوى مجلس الأمة السياسي، ولكن قوى الفساد العريقة تقاتل هذه الأيام، لإفساد مخرجات مجلس الأمة، من خلال تقليص حق التصويت للناخبين إلى صوت واحد. وإذا ما تم هذا الأمر فإن الكويت ستكون (كوتات) أو كوبونات، والآه ستصبح آهات… ولكن الله معنا والعاقبة دائما للمتقين.  

السابق
يخفي معدته ويظهر عموده الفقري من بطنه!
التالي
قطع الطريق في صيدا بالاطارات المشتعلة احتجاجا على اعتصام الأسير