لهذه الأسباب طلب كتاب الإحتجاج

أُُخضِع موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بطلبه من وزير الخارجية توجيه كتاب احتجاج إلى الحكومة السورية لـ«فحص دم» لدى طرفي النزاع في لبنان. وعلى قياس الفرز القائم بسبب الملف السوري تجرّأ البعض على انتقاده فيما أشاد آخرون به. لكنّ الحقيقة كانت في مكان آخر. فما الذي قصده رئيس الجمهورية؟

فاجأ سليمان الأوساط السياسية بطلبه يوم الاثنين من وزير الخارجية تسليم السفير السوري في لبنان كتاب احتجاج الى السلطات السورية يعبّر فيه عن استياء لبنان من توغّل القوّات السورية في منطقة مشاريع القاع وتدمير منزل فيها وتكرار سقوط قذائف على قرى حدودية، لا سيّما في منطقة الحدود الشمالية.
وقياساً على حجم الفرز السياسي القائم في البلاد، فقد توزّعت المواقف إزاء الخطوة بين نظرتين:

– الأولى انتقدت بشدّة، فرأت أنّ سليمان تسرّع في خطوته على وقع الحصيلة الدموية لعملية تفجير مقرّ الأمن القومي في دمشق، وهو يرصد اهتزازاً أو تفكّكاً قد أصاب النظام السوري، فانتهز المناسبة ليقدّم أوراق اعتماده إلى الدول التي تناهض النظام وتشنّ حرباً كونيّة عليه. وزادوا أنّ سليمان بات في صفوف قوى 14 آذار منذ مدّة وهو بخطوته هذه كرّس خطوة متقدّمة على هذا المستوى متجاهلاً عمليّات التسلّل الى الأراضي السوريّة ونقل الأسلحة الى الإرهابيّين السوريّين ونصب المكامن. كذلك تجاهل الخروق الإسرائيلية في البرّ والبحر والجوّ.

أمّا النظرة الثانية فتقول إنّ سليمان أصاب في خطوته، وقد تأخّر كثيراً في تسجيل مثل هذا الموقف، بعدما تمادى الجيش السوري في توغّلاته وقتل من قتل من سكّان القرى الحدودية. لكنّه بخطوته هذه أكّد حرصه على سيادة لبنان على أراضيه وقرّر اللجوء الى ما يضمن سلامة سكّان الحدود من اللبنانيّين. وسارع كثيرون فأغدقوا عليه كلّ الصفات الحميدة في السيادة والوطنية الفائضة.

الخطوة ليست الأولى

ويقول العارفون إنّ رئيس الجمهورية استغرب وصف الخطوة بالمفاجئة، وهو الذي سجّل أكثر من مرّة انتقاده للخروق السوريّة، فدان مقتل الزميل علي شعبان من تلفزيون "الجديد"، وأجرى اتّصالات حثيثة طالباً متابعة التحقيقات في الجريمة، كذلك تدخّل في حادث توقيف عسكريّين من الأمن العام وتجريد جنديّ من الجيش من سلاحه على معبر البقيعة شمالاً، وتدخّل في مناسبات عدّة، وتحديداً عندما خُطف صيّادو العبدة، وسجّل احتجاجاً قويّاً سعياً وراء إطلاق كثيرين ممّن خُطفوا على الحدود السورية وعلى أيدي قوّات نظاميّة.

وأضاف العارفون أنّ سليمان تجاوز وسيتجاوز كلّ الإتّهامات التي طاوَلته بالانتهازية في التعاطي مع النظام السوري، وقد بات الرئيس العربي الوحيد الذي ما زال يتحدّث أسبوعيّاً والرئيس السوريّ بشّار الأسد وكلّما دعت الحاجة الى ذلك. علماً أنّه كان على الخطّ مع الأسد بعد وقت قصير من عملية "الأمن القومي" معزّياً. وأنّه لم ولن يتوقّف عند بعض المواقف المتجنّية، كما أنّه لم ينتظر إشادة من أحد.

وبعيداً من النظريتين يحرص العارفون على القول إنّ سليمان عندما اتّخذ قراره كان في موقع آخر فوق الطرفين، فهو بالدرجة الأولى تعهّد التجاوب مع صرخات الأهالي التي استمع اليها عبر الشاشة الصغيرة، فتّش عن وزير الخارجية فقيل له إنّه ما زال في الدوحة مشاركاً في أعمال المؤتمر الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب منذ السبت الماضي فلاحقه بالهاتف الى هناك مستطلعاً أجواء اللقاء وطالباً إليه توجيه كتاب الاحتجاج.

تجاوز الروتين

ولاحظ العارفون أنّ سليمان تجاوز الآليّات السابقة التي اعتمدها في حالات مماثلة سواء عبر اللجنة العسكرية المشتركة بين الجيشين اللبناني والسوري، أو اللجان المشتركة التي تناقش دوريّاً أوضاع الحدود بين البلدين وشقيقه محافظ البقاع يمثل لبنان في إحداها إلى جانب محافظ ريف دمشق، كذلك تجاوز المجلس الأعلى اللبناني – السوري ولجأ إلى خطوة متقدّمة في التعاطي بين الدول ذات السيادة، خصوصاً أنّ القيادة السوريّة سبقته في مثل هذه الرسائل وسبق لها أن اعتمدت قنوات
وزارة الخارجية توصّلاً إلى إبلاغ الجانب اللبناني شكاوى مماثلة لا تحتمل خطورة استمرار التوغّلات السورية في لبنان وجاء بعضها أحياناً ليسجّل اجتجاجاً على موقف أو خطاب سياسيّ أو بيان صحافي.

وإلى ذلك، فقد ثبت لرئيس الجمهورية أنّ الخرق الجديد جاء مفاجئاً وفي منطقة تحاشت فيها القوّة المتوغّلة الاصطدام بالجيش الذي انتشر حديثاً في المنطقة وكأنّه مقصود بهدف توجيه رسائل غير واضحة.

وأنّ ما جرى فجر الأحد الماضي لم يعقب أيّ تسلّل لمقاتلين من "الجيش السوري الحر" قيل إنّهم يتسلّلون عبر الأراضي اللبنانية، ولم تكن القوّة المتوغّلة في مواجهة مجموعات سوريّة معارضة لجأت الى أراضٍ لبنانية، وهو أمر ثبت من خلال كلّ التقارير التي وضعتها الأجهزة الأمنية كافّة، ولا تحتمل الالتباس الذي رافق أحداث موقع الأمن العام على معبر البقيعة مثلاً، حيث اختلفت الروايات الأمنية بين اعتماد جهاز أمنيّ عبارة "توقيف العسكريّين اللبنانيّين" وآخر قال بـ"إصطحابهم" الى المركز السوري المقابل.

سيناريوهات

وبناءً على هذه المعطيات، تقول مراجع أمنية إنّ خطوة سليمان فيها كثير من استباق ما هو متوقّع من أحداث. ففي المعلومات المتداولة بين المسؤولين الكبار سيناريو يتحدّث عن احتمال انتقال التوتّر الى الحدود اللبنانية – السورية متى تفرّغ الجيش السوري من بعض الداخل، خصوصاً من العاصمة وحمص ليتّجه الى الحدود اللبنانية، فلبنان من بين دول الجوار يحتلّ موقع الخاصرة الضعيفة من داخله السياسي المنقسم وخارجه الأمني الهش.

وفي السيناريوهات المتوقّعة يمكن أن ترتفع نسبة كتب الاحتجاج لعدم قدرة الجيش على ضبط الوضع على مئات آلاف الأمتار من الحدود ولأسباب سياسية تتّصل بإمكان نقل التوتّر سريعاً إلى محيطها. وفي حال صحّت هذه السيناريوهات الأمنية قد لا تكفي كتب الاحتجاج، وما الذي يمنع من أن ينتقل الملف عندها إلى مجلس الأمن الدولي.  

السابق
غياب شخصيات
التالي
السفير: سـابقـة فـي تـاريخ الدولـة: الإدارة في الشـارع