ماذا لو أمسكت المعارضة السورية بـالمصنع؟

ماذا يحصل اذا سيطرت المعارضة السورية على اي معبر حدودي مع لبنان، وهل اصبحت السلطة السياسية جاهزة بعد احتجاج رئيس الجمهورية لاتخاذ خطوات اكثر تقدما، واعطاء اوامر محددة الى الاجهزة الامنية اللبنانية

فتح احتجاج رئيس الجمهورية ميشال سليمان على التوغل العسكري السوري في مشاريع القاع، ثغرة جديدة في العلاقات اللبنانية السورية، وطرح امام لبنان اسئلة شائكة في ضوء التطورات السورية المتسارعة. الخطوة الرئاسية جاءت في وقت شهدت فيه سوريا تحولات امنية وعسكرية، بعد تفجير مقر الامن القومي السوري في قلب دمشق ومن ثم التوغل المعارض في احياء العاصمة قبل استعادة الجيش النظامي المبادرة. وتزامن ذلك مع اعلان «الجيش السوري الحر» سيطرته على معابر بين سوريا وتركيا من جهة وسوريا والعراق من جهة اخرى.

وهذا تماما ما اثار مخاوف جهات رسمية لبنانية، حول امكان حصول تطور نوعي في العمل العسكري على ارض دمشق، الامر الذي يطرح هواجس جدية من اقتراب «الجيش السوري الحر» من المعابر اللبنانية.
بحسب المعلومات التي تقاطعت مع ما يعرفه مطلعون على مجريات الوضع السوري، فان المعارضة السورية حشدت في الايام الاخيرة ما لا يقل عن ثلاثين الف عنصر من اجل الاطباق على دمشق، وان هذا التجمع كان قد بدأ يتحضر منذ اسابيع عبر مجموعات صغيرة اتت من المناطق المحيطة بالعاصمة، استعدادا لساعة الصفر. جاء انفجار دمشق، ليوحي وكأنه صفارة الانطلاق، وبدأ الحديث في لحظات قليلة عن انفلاش المعارضة السورية في الاحياء الدمشقية. وتعتبر اوساط المعارضة انها وقعت ضحية الاعلام التلفزيوني الذي سارع الى اعلان سقوط الشارع الدمشقي في ايدي المعارضة، ما استنفر النظام الذي اعاد الامساك بزمام الامور بقبضة حديدية، من دون ان يعني ذلك ان المعارضة السورية فقدت السيطرة، بل ان ما وصل من معلومات اوجبت الحذر اللبناني، دلت على ان معركة دمشق لا بد آتية، وان المعارضة لا تزال تحشد قواها في مناطق مختلفة من ريف دمشق، في انتظار ان تتبلور صورة الحراك الدولي الذي بدا وكأنه أرجئ شهرا مع التمديد لقوة المراقبين الدوليين واستعادة الجامعة العربية دورها بعد اشهر من الانكفاء.
واحتمال اقدام المعارضة السورية على عمل عسكري واسع في دمشق، بدأ يثير لدى الجهات السياسية المعنية اسئلة عن وضع المعابر الحدودية، بعد تجربتي الحدود مع العراق وتركيا، وموقف لبنان الرسمي من الاحتمالات المقبلة. وتتمحور هذه الاسئلة حول الخطوات التي يمكن لبنان ان يتخذها في حال سيطرة المعارضة السورية على اي من المعابر معه: فهل يمكنه ان يتخطى الاتفاقات الثنائية، وهل تقدم الحكومة على اقفال الحدود من جانب واحد، وهل يمكن الحكومة او بالاحرى رئيس الجمهورية بصفته رئيسا للمجلس الاعلى للدفاع والقوات المسلحة ان يطلب من القوى الامنية التواصل «اليومي» مع الجانب السوري المعارض اذا سيطر على المعبر ام يمنع هذا التواصل؟
المسألة الحدودية مع لبنان شائكة جغرافياً وسياسياً، في ضوء الانقسام الحاصل بين معارضين ومؤيدين للنظام السوري، اضافة الى الموقف الاخير لرئيس الجمهورية الذي ظهر وكأنه يخطو خطوة اولى من نوعها تجاه النظام السوري لم يعتد عليها لبنان في الاشهر الاخيرة، رغم اكثر من حادث حدودي نأت الحكومة بنفسها عن الدخول في تجاذباته.
شمالا، لا يمكن الحديث اليوم عن احتمالات اقتراب المعارضة السورية من الحدود او السيطرة على المعابر الحدودية لجهة لبنان الشمالي، وخصوصا بعدما تمكن الجيش السوري النظامي من السيطرة شبه الكاملة على القرى السورية وامتداداتها قبالة لبنان. ونتيجة التوزع الطائفي والجغرافي للبلدات السورية واللبنانية الواقعة على جانبي الحدود، لا زالت مسألة سيطرة المعارضة على الحدود مستبعدة.
في البقاع، تبدو الخشية اكبر امنيا، وتتجه الانظار الى معبري المصنع والقاع ــ جوسيه. والمعبر الأخير لا يزال من الجهة السورية تحت مرمى الجيش السوري، وثمة استبعاد لامكان اقتراب المعارضة السوريه منه نظرا الى وجوده من الجهة اللبنانية على مقربة من منطقة يسيطر عليها حزب الله سياسيا وامنيا وما يمكن ان يشكله ذلك من مواجهات غير محسومة.
تبقى نقطة العبور الحدودية عند المصنع، فأي تطور ميداني في دمشق، يحتم على السلطات اللبنانية الرسمية الاخذ في الاعتبار امكان وقوع هذه النقطة من الجهة السورية في ايدي المعارضة. مع العلم ان المعبر من الجهة اللبنانية يقع في منطقة ذات اغلبية سنية، سواء في البقاع الاوسط والامتداد نحو البقاع الغربي، وفي بلدات لا تمارس ابدا سياسة النأي بالنفس، بل انها تحتضن بقوة المعارضة السورية. ومن شأن التدفق الأخير لآلاف اللاجئين السوريين، ان يثير هواجس عن امكان تحول جزء من هؤلاء اللاجئين، وهم دخلوا مدنيين، إلى مساعدة أخوتهم في المعارضة وخصوصا ان امكانيات التسلح مرتفعة في لبنان، وان من بين الوافدين الى لبنان اعداداً مرتفعة من اللاجئين الفلسطينيين من مخيم اليرموك.
هذه الاحتمالات بدأت تتداول على نحو واسع في الاوساط الرسمية. وتبعاً لذلك، فان ثمة استحقاقات اساسية يقبل عليها لبنان، تتمحور حول دور السلطة السياسية ولا سيما رئاسة الجمهورية التي حصدت امس اعجاب قوى 14 آذار نتيجة موقفها من الخروق السورية.
لكن عمليا، فان نقطة المصنع على سبيل المثال، تضم اربعة اجهزة امنية هي الجمارك والامن العام وقوى الامن والجيش اللبناني، فهل السلطة السياسية والمجلس الاعلى للدفاع ابلغا هذه الاجهزة تعليمات محددة حول الخطوات الواجب اتخاذها، وهل يمكن لهذه الاجهزة اقفال الحدود او فتحها على غاربها، من دون اوامر السلطة السياسية؟ حتى الآن، لا أوامر محددة، والتعليمات التي اعطاها رئيس الجمهورية الى الجيش والاجهزة المختصة لمنع الخروق، (الآتية من جانب النظام السوري) يفترض ان تتعدى الطلب الاعلامي، لتصبح ضرورة سياسية تحظى بتغطية القيادة السياسية العليا، وهو امر لا يزال مبهما حتى الآن. وتبعا لذلك، فالاجهزة الامنية على اختلافها لا تستطيع من دون سياسة شفافة وواضحة وتغطية كاملة من مجلس الوزراء القيام بمهمات عسكرية على حسابها، في ضوء جنوح الوضع الحدودي نحو احتمالات اكثر خطورة من حادثة مشاريع القاع، وبما يتعدى الجيش النظامي السوري الى احتمال اقتراب المعارضة من الحدود، اذ ليس من مهمة الجيش والأجهزة الأمنية رسم سياسة الأمن في البلاد، بل هي كما يفترض مهمة رئيس الجمهورية، بقرارات واضحة لا لبس فيها. وهذا ما لم يحصل حتى الآن.  

السابق
الاخبار: الخارجية توجّه رسالة لفت نظر بدل الاحتجاج إلى سوريا
التالي
سلاح ظاهر