الديزاينـرز يلـوّنون بيـروت

في يوم من الأيام، وفيما كان عائداً من يوم عمل طويل، انتبه الشاب العشريني إلى أن بيروت تنقصها الألوان. ولمّا أخبر أصدقاءه عن ملاحظته هذه، اكتشف أنهم قد انتبهوا إلى الأمر نفسه بدورهم. حينها، قرّرت مجموعة الأصدقاء هذه أن بيروت الغد لن تشبه بيروت الأمس.
شارع الحمراء لا يحتاج للكثير من التفكير. اسمه يدلّ على لونه. شارع الجميزة، حيث تصطفّ الحانات الواحدة تلو الأخرى، يليق به اللون الأخضر، من لون قنّينة البيرة. أما مار مخايل، فارتأت المجموعة أن تزيّن درجها العتيق بألوان كثيرة ومختلفة.
كقصص الأطفال المصوّرة، كان لقصّة مجموعة الأصدقاء هذه نهاية سعيدة.
لذا قرروا أن "يلوّنوا" قصة جديدة.

"شو يا حلوين ؟ ليش ما في فوشيا؟!".
عندما مرّت امرأة كبيرة في السن من أمام درج عتيق في منطقة مار مخايل، استوقفها المشهد. شباب وصبايا يطلقون على مجموعتهم اسم "ديزاينرز"، يحمل كل منهم ريشة بلون مختلف يدهن بها عتبة من عتبات درج طويل.
لم تجد المرأة الواقفة في وسط الطريق أيا من الشباب يحمل بيده ريشة بلونها المفضّل، لذلك عبّرت عن اعتراضها، ثم طلبت منهم ألا ينسوا اللون الزهري الفاقع في المرّة المقبلة، قبل أن تمضي إلى بيتها.
لا تأخذ المجموعة إذنا رسميا لتلوين بيروت، بل تكتفي بموافقة تنتزعها، بسهولة بالغة، من أهالي المنطقة. يحكي أحد أعضاء المجموعة أنهم عندما راحوا يسألون أهل مار مخايل عمّا إذا كانوا يريدون تلوين درجهم، فاجأهم الرد الإيجابي الذي أجمعوا عليه: "صاروا الناس يقولولنا ايه منتمنّى تلوّنولنا الدرج، وأكيد بدنا، ويعطيكم ألف عافية".
كان أهالي مار مخايل قد طلبوا من البلدية، منذ حوالي سنة، أن ترمّم الدرج وتجمّله. لكنهم حتى الآن، لم يلقوا جوابا. لا تستطيع مجموعة "ديزاينرز"، التي تتألف من متخرجي جامعتي الأميركية في بيروت واللبنانية الأميركية أن تحقق مطلب الأهالي كاملة، فهم غير مؤهلين لترميم الدرج، بحكم أنهم لا يتقنون هذا العمل أولا، ولأنهم لا يملكون الدعم المادي الذي يتيح لهم توسيع مجال عملهم. يشير شاب رفض ذكر اسمه لاعتباره أن اسم المجموعة يمثله، إلى أن "المجموعة تتحمل نفقات الدهان وكل المستلزمات على عاتقها، لذا تكتفي بتجميل الدرج من حيث الألوان والرسومات".
تأسست المجموعة بشكل عفوي في الثامن من شهر نيسان الماضي، عندما دهن أعضاؤها درجا في نزلة قريطم. "درج قريطم كان مشروعنا الأول، وتعلّمنا منه الكثير"، يقول الشاب. ويضيف: "في المرّة الأولى قمنا بدهن الدرجات كلها، فاتسخت بعد فترة قصيرة جرّاء دعسات الأرجل وبقع القهوة والمشروبات عليها. أما الآن، فلم نعد ندهن سوى واجهة العتبات، حيث لا تطأ الأرجل". على الرغم من أنهم يختارون تصاميم سهلة حتى يتمكن الجميع من المشاركة في تلوين بيروت، إلا أنهم لا يختارونها بشكل عشوائي. عندما يقرر أعضاء المجموعة دهن درج معيّن، "يدرسون" الدرج قبل المباشرة بالعمل: "نحدد عدد الدرجات، وكمية الدهان التي تلزمنا، والتصميم الذي يليق به وبالمنطقة".
في المرّة الأولى، اقتصر العمل على 12 شابا وصبية. لاحقا، انضم إليهم أصدقاء الأعضاء وأقارب لهم، ومعارف كثيرة. أما في المرّة المقبلة، أي في منتصف شهر آب المقبل، فسوف تكون الدعوة عامة أكثر، لكي يتمكن كل مهتم بتلوين درج آخر في منطقة مار مخايل، من المشاركة.
هدف المجموعة هو، بكل بساطة، جعل بيروت مدينة ملوّنة. وعلى الرغم من أنها تمارس "فن الشارع"، إلا أنها لا تنوي التطرق لمواضيع سياسية أو اجتماعية، كما يحاول فن الـ"غرافيتي" أن يفعل في معظم الأحيان. "هدفنا أن نفرح الناس. كلمّا مرّ أحد من أمام الدرج وسلّم علينا أو فرح لعملنا أو قام بتصوير الدرج الملوّن، نكون قد حققنا هدفا"، يشرح أحد أعضاء "ديزاينرز". تسعى المجموعة إلى تعريف الناس على أماكن لم تكن تعرفها من قبل، وتعريفهم بالتالي على محلات تجارية تقع على مقربة من الدرج الملوّن، كانت مختبئة بفعل اللون الرمادي الذي طغى لفترة طويلة على المنطقة.

في قصة أخرى، يستيقظ شبان وشابات، باكرا جدا، ليتوجهوا إلى منطقة في بيروت، وجدوا فيها درجا منسيّا. يمسك كل منهم بمكنسة، ليست سحرية بالضرورة، لكنها كفيلة بتنظيف الدرج قبل البدء بتلوينه. لا يخاف الشبان الحرّ، ولا تخاف الصبايا الجوع. فالأهالي الذين يسكنون على مقربة من الدرج، يقدمون الأكل والعصير لهم في محاولة منهم لشكرهم على عملهم الجميل.
في نهاية اليوم الطويل، يتحوّل الدرج الرمادي اللون إلى بيانو، تكون فيه كل عتبة مفتاحا وكل مفتاح بلون مختلف.
لا يصدر البيانو الذي صنعه الشباب أي موسيقى أو نغمة، لكنه يبعث الفرح في قلب المدينة.
 

السابق
ماذا عن كلفة استقالة ميقاتي؟
التالي
حريق في احدى المحلات التجارية بالمصيطبة