إرتباطات الشراكة بين ميقاتي والنظام السوري

ما أهمل الرئيس نجيب ميقاتي واجب التعزية بالذين قتلوا من قادة النظام السوري الأمنيين. فقد اتصل بالسفير السوري في لبنان وعزّاه بعد أن تردّد طويلاً في الاتصال بدمشق. وقد مرّ الميقاتي في أحاسيسه تجاه بشار الأسد بمرحلتين، وهو يدخل الآن في مرحلة ثالثة. في المرحلة الأولى، جاءت توليته رئاسة الحكومة بمثابة تتويج لعلاقة طويلة الأمد ببشار الأسد شخصاً وعائلة ونظاماً. وقد تضمنت عدة وجوه وأبعاد: تثبيت الشراكة، والولاء المطلق، وأمل الخلود في رئاسة الحكومة مثلما هو بشار الأسد خالد في رئاسة الدولة السورية، والعمل معاً على إقصاء آل الحريري، وشرذمة كلمة أهل السنّة، والتنسيق معاً من أجل إرضاء العرب الخليجيين بعدما غضبوا للانقلاب، وإرضاء الأتراك والأوروبيين من خلال فيلتمان نائب وزير الخارجية الأميركية صديق الطرفين: الأسد وميقاتي!.

بيد أن هذه المرحلة ما طال أمدها لسوء حظ الطرفين. فقد قامت الثورة السورية، وسرعان ما صار الأسد محتاجاً إلى الميقاتي و«حزب الله» أكثر من حاجتهما إليه. فتوالت طلبات المساعدة على كل المستويات من جانب بشار، وخضع الميقاتي لضغوط متناقضة من الخارج والداخل. أصدقاء الرجل بأوروبا وأميركا وبعض الخليج طلبوا منه أن ينأى بنفسه، وأن يحمي النظام المصرفي اللبناني من التورط باتجاه سوريا وباتجاه لبنان. وفي مقابل وعوده (وهي لدى الأوروبيين واللبنانيين العارفين والسوريين الحاكمين مثل قبض الريح) أشاع الجميع أن الميقاتي عنده «مهلة» للتمكن من إبعاد لبنان عن المشاكل، والانتظار ماذا سيحصل للأسد. لكن ميقاتي ما استطاع الوفاء بعهوده ووعوده الشخصية والسياسية. ويرجع ذلك لعدة أسباب: الارتباط العميق بالنظام وبشّار، وتجاوز رئيس الحكومة من جانب الجميع في الحكومة والمؤسسات لإظهار الدعم والتأييد للنظام السوري، مثلما فعله وزير الخارجية اللبناني على مدى عام تقريباً. ومثلما لا يزال مدير الأمن العام اللبناني، ومدير مخابرات الجيش، يفعلانه كل يوم. وانتهى الأمر أواخر العام الماضي ومطلع هذا العام، إلى أن غضب عليه أهل النظام السوري، بسبب التقاعس في المساعدة، وغضب عليه الأوروبيون وبعض الأميركيين والخليجيين لتعريضه الأمن السياسي والمالي للبلاد للخطر. وهكذا فقد أعلنت سياسة النأي بالنفس حيث ما عادت هناك حاجة إليها وفات الأوان. فلا حزب الله (المشارك في الحكومة) يقبل اعتزال التدخل لنُصرة حليفه بشار، ولا الجنرال عون يستطيع التوقف عن طلب الخدمات في مقابل الخدمات.

وقد دخل الرئيس ميقاتي في الشهرين الأخيرين في مرحلة ثالثة، فقد اشتدّ التأزم على النظام السوري، فاشتدت ضغوطه على الميقاتي، وقابله الأوروبيون والخليجيون والأميركيون (بعد ذهاب فيلتمان) بالجفاء والتنكّر، وردّ عليهم هو بالإقرار والاعتذار. فتارة يشكو لأصدقاء أصدقاء الأسد فلا يجيبون بغير الزمجرة، وطوراً يطلب تفهما من الدوليين فيقولون له: الصيف ضيعت اللبن! وهكذا ما بقي له في الحقيقة غير صديقيه برّي وجنبلاط، لكن وضعهما أريح من وضعه بكثير. فجنبلاط جالس على ضفة النهر كالعادة ينتظر جثة عدوه طافية. والرئيس برّي لا يدري ماذا ينتظر. ومشكلة الميقاتي أنه يعرف ما ينتظره: إن سقط الأسد فلا حياة له كما كانت من قبل. وإن بقي الأسد لفترة أخرى فسيكون أعداء الأسد أعداء له وهم أكثر من الهمّ على القلب!.

وبين السقوط والسقوط، اتخذ الرئيس الميقاتي قراراً مصيرياً بل قرارين: أمر بإيقاف الإنفاق على تطبيب النازحين السوريين، وهاتَفَ السفير السوري (الذي يهدده ويتوعده كل يوم) معزياً بالشهداء من رفاق سلاح الأمين العام لـ «حزب الله»:
وما شرّ الثلاثة أم عمرو
بصاحبكِ الذي لا تصبَحينا
  

السابق
نواف: فريقنا السياسي متماسك وموحد
التالي
صوت المعركة… قادم