معركة دمشق والعملية الاستباقية

التطورات الميدانية المتسارعة التي شهدتها بعض أحياء العاصمة السورية ومناطق أخرى على صعيد تحقيق نجاحات كبيرة للجيش السوري في ضرب بؤر الإرهاب والعصابات التكفيرية المجرمة، كانت بمثابة إشارة واضحة تحمل الكثير من المعاني والمفاهيم ذات المضمون الجوهري في انتقال الدولة الوطنية السورية من مرحلة سابقة إلى مرحلة جديدة تمثلت في استشهاد القادة الأربعة في مبنى مكتب الأمن القومي يوم الأربعاء الماضي.

واعتبرت مصادر سياسية أن التفجير الإرهابي الذي خططت له ونفذته المخابرات الأميركية بالتنسيق الكامل مع مخابرات عربية وإقليمية و»إسرائيلية» جاء في وقت راهنت فيه تلك الجهات الاستخبارية على أن يكون الانفجار المذكور بداية انطلاقة لما أسموه «معركة دمشق» حيث كان المخطط يهدف إلى تنفيذ العملية الإجرامية بواسطة عميل وأداة رخيصة جداً ومن ثم تحصل تداعيات له على المستويين العسكري والسياسي من خلال إمكانية حصول عملية إرباك في صفوف الجيش السوري وحالة من الشلل السياسي والعسكري، يترافق كل ذلك مع ما كان يراد له من خلال استقدام آلاف المسلحين السوريين والغرباء إلى بعض أحياء العاصمة السورية لشن هجمات داخل هذه الأحياء والاستيلاء على مناطق معينة من دمشق خصوصاً وأن تجمعات العصابات الإرهابية كانت في معظمها في الأحياء الشعبية ذات الكثافة السكانية، وجعل المواطنين السوريين دروعاً بشرية لتنفيذ عملياتهم ضد الجيش السوري وقوات حفظ النظام.

وتضيف المصادر السياسية أن هذه الرهانات الأميركية والعربية والتركية سقطت منذ اللحظة الأولى، أي منذ أن اتخذ الرئيس بشار الأسد قراراً خلال ساعات قليلة بتعيين وزير للدفاع ومن ثم رئيس لهيئة الأركان في موازاة استمرار العمليات العسكرية في المناطق والأحياء التي توجد فيها العصابات الإرهابية والتكفيرية والتي جاءت نتائجها حاسمة من حيث تطهير معظم الأحياء والمناطق في دمشق ومحيطها من تلك الجماعات حيث سقط منها مئات القتلى والجرحى ومئات المعتقلين وآخرين استسلموا مع أسلحتهم إلى الجيش السوري.

وتعتبر المصادر السياسية، أن التفجير الإرهابي كان بمثابة رسالة واضحة من الأميركيين وحلفائهم العرب والأتراك و»إسرائيل» على ضرب خطة المبعوث الدولي كوفي أنان وأن موافقة الإدارة الأميركية على مضمون بيان مؤتمر جنيف كان نفاقاً سياسياً بامتياز وهذا ما أشارت إليه الخارجية الروسية بصورة واضحة، وأن الإدارة الأميركية تلعب دوراً مزدوجاً ومتناقضاً في آن معاً، فهي تبلغ القيادة الروسية بشيء وعلى الأرض تفعل عكس ذلك، لأنه إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية صادقة في تعهداتها والتزاماتها لكانت أول خطوة تقوم بها هي الضغط على قوى المعارضات السورية في الانضمام إلى طاولة الحوار التي تسعى القيادة الروسية بكل إمكاناتها إلى تحقيق هذا الهدف باعتباره المخرج الوحيد للحل السياسي في سورية، ولكن الموقف الأميركي الحقيقي هو الاستمرار في تصعيد الوضع الميداني والعسكري في سورية وإطالة أمد حرب الاستنزاف طالما هي غير قادرة على شن حرب على سورية ولا الحلف الأطلسي ولا تركيا، وأن الإدارة الأميركية تجد من مصلحتها استنزاف سورية وتحجيم دورها الإقليمي والدولي من خلال إلهائها بمشاكلها الأمنية الداخلية.

وكشفت المصادر السياسية عن أن الخطة الأميركية تجاه سورية وما سمي بـ»معركة دمشق» كانت مقررة في الأيام العشرة الأولى من شهر رمضان، ولكن القيادة السورية قامت بعملية استباقية في بعض المناطق ومن ثم تبعتها عمليات أخرى نتيجة أن المجموعات المسلحة كشفت عن نفسها في أحياء أخرى وهذا ما جعل تحرك الجيش السوري يأتي في سياق عمليات جراحية كبرى ضد هذه المجموعات التي تم تطهيرها وسحقها في معظم المناطق التي كانت موجودة فيها وترعب المواطنين السوريين، ولهذا كان الأميركيون يشيعون أخباراً بأن «معركة دمشق» ستكون فاصلة، صحيح هذا الكلام، هذه المعركة فاصلة ولكن لمصلحة الدولة السورية الوطنية والجيش السوري والشعب السوري الذي تعاون مع جيشه إلى أبعد الحدود لناحية الإدلاء بمعلومات دقيقة عن وجود المسلحين وأوكارهم، والأيام المقبلة ستشهد المزيد من النجاحات الميدانية إلى درجة أن بعض المصادر العسكرية توقعت أنه مع نهاية شهر رمضان ستعود المبادرة بصورة كلية إلى الدولة السورية على صعيد سحق ما تبقى من الإرهابيين في مناطق أخرى من سورية.  

السابق
الافراج عن المخطوفين السوريين ليلا واستعدادات لترحيلهم الى سوريا
التالي
موسكو لواشنطن: أعطونا البديل من الأسد