ماذا خلف الإقتراح القطري لتعديل خطّة أنان؟

علّق قريبون من دمشق على اجتماعات وزراء الخارجية العرب في الدوحة بأنّها «تعكس حالاً من الإنكار قلّ نظيرها، فبعضهم لا يزال يعتقد أنّ النظام السوري ينتظر السقوط، وفي الوقت نفسه يشيعون إعلامياً أنّه آيل للسقوط حتماً، ثمّ يصدّقون ما يروّجه إعلامهم، فيصطدمون بالواقع مرّة تِلوَ الأُخرى، فيما يدفع السوريون الأثمان من أرواحهم.

ويضيف هؤلاء القريبون من دمشق أنّ "من مظاهر الارتباك الذي يقع به معارضو النظام السوري المحلّيين والعرب والغربيّين أنّهم حاولوا أن يعطوا تفجير مبنى الأمن القومي السوري، روايتين متناقضتين، الأولى تقول إنّ هذا التفجير الذي قضى فيه عدد من القادة السوريّين هو بداية انهيار النظام، وحين واجه النظام هذه العملية متماسكاً ونجح في تطهير دمشق من مسلّحي المعارضة، اعتمدوا الرواية الثانية ومفادها أنّ ما جرى هو من تدبير النظام نفسه للتخلّص من أركانه.

وهاتان الروايتان يتمّ ترويجهما، الأولى لرفع معنويات المراهنين على سقوط النظام، والثانية لتبرير فشل ما راهنوا عليه في ما سمّوها "معركة تحرير دمشق".

ويتوقّف المراقبون هنا أمام دعوة رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم إلى تغيير طبيعة مهمّة الموفد الاممي ـ العربي المشترك كوفي أنان متناسياً أنّ هذه الخطة هي ثمرة تفاهم دولي دقيق استغرق التحضير له أسابيع، بل أشهر، وأنّ هذا التفاهم قد تمّ تكريسه قبل أسبوعين في اجتماع جنيف في حضور جميع الأطراف المعنية بالأزمة السورية ما عدا المملكة العربية السعودية وإيران، بل إنّ قطر نفسها كانت ممثلة في هذا الاجتماع.

فماذا يعني الاقتراح القطري؟

يرى مراقبون أنّه يعني إسقاط مهمّة أنان ومراهنة على إمكانيّة تدخّل عسكري خارجي، خصوصاً أنّ هذا الاقتراح قد تزامن مع تصريحات اسرائيلية وأميركية حول نقل الاسلحة الكيماوية والجرثومية من مخازن الجيش السوري الى مخازن حزب الله، بكلّ ما تشير اليه هذه التصريحات من احتمالات شنّ حرب على سوريا ولبنان.

وهذا الاقتراح يعني أيضاً بالنسبة الى المتابعين للأوضاع السورية إحساساً باليأس لدى الشيخ حمد بن جاسم الذي بات مقتنعاً بفشل كلّ المحاولات التي اعتمدها مع حلفائه لإسقاط النظام السوري، فعاد من جديد الى اعتماد الخيار نفسه الذي اعتمده حلف "الناتو" في ليبيا، وكذلك الخيار الذي شجّع عليه بعض العرب ضدّ العراق قبل عشر سنوات.

ويلاحظ المراقبون أيضاً أنّ هذا الاقتراح القطري جاء أيضاً في وقت أعلنت مندوبة الولايات المتحدة الاميركية في الامم المتحدة سوزان رايس أنّ واشنطن تفكّر بعمل ضدّ دمشق من خارج مجلس الأمن، ما اضطرّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيّاً الى التحذير من هذا السلوك.

وفي رأي القريبين من دمشق أنّ الاقتراح القطري يكشف أيضاً "أنّ النظام السوري يحقّق إنجازات على الأرض فيما يحقّق الآخرون إنجازاتهم في الفضاء الذي بات التفوّق فيه أيضاً مشكوكاً به، فالإجراءات المُتّخذة ضدّ الإعلام السوري، سواء من خلال الهجوم الأخيرعلى قناة "الإخبارية" أو وقف بثّ قناة "الدنيا" أو إنشاء قنوات تبثّ باسم القنوات السورية، كلّها مؤشّرات الى نجاح الإعلام السوري المحدود الإمكانات في مواجهة إعلام لا حدود لإمكاناته.

وفي هذا السياق بدأت أصوات في المعارضة السوريّة تنتقد القنوات العربية الداعمة للمعارضة بأنّها بتضخيمها الأخبار تفقد صدقيتها، حتى إذا كان هناك خبر صحيح لمصلحة المعارضة لم تعد له صدقية بين الناس، بل إنّ هذه القنوات بدلاً من أن تكون ناقلة لأخبار المواجهات بدأت توجّه المعارك، وأحيانا كثيرة بما يورّط خلايا نائمة تهيّئ نفسها لدور آتٍ، وهذا ما حصل بالضبط في معركة دمشق التي يقول معارضون إنّ بعض الفضائيّات العربية قد ساعدت النظام في كشف عدد من المجموعات المسلّحة الموجودة في أحياء دمشق وضواحيها ليتمّ التعامل معها".

ويلاحظ المراقبون في هذا السياق أنّ السياسات الإعلامية المُتّبعة كثيراً ما تركّز على عمليّات ذات شأن إعلامي كاحتلال بعض المعابر الحدودية على رغم إدراك القيّمين على هذه السياسات أنّ معاودة القوّات النظامية سيطرتها على هذه المعابر لا تكلّف كثيرا، فلقد أُعطي الإعلام في المعركة الدائرة في سوريا دوراً كبيراً وأُنفقت عليه المليارات، ولكنّه يتحوّل عبئاً على الحراك الشعبي السوري الذي يردّد بعض قادته، خصوصاً في حماة: "لقد ظلمتنا قلّة الإعلام في الثمانينات، ويبدو أنّ كثرة الإعلام المؤيّد لنا اليوم تظلمنا أكثر".

ويروي زوّار دمشق كثيراً من الروايات عن "أفخاخ إعلامية" وقع بها الإعلام المناهض للنظام، ولعلّ أبرزها إشاعة خبر مغادرة الرئيس بشّار الأسد دمشق الى مكان مجهول، ليظهر في اليوم الثاني مستقبلاً وزير الدفاع الجديد، كذلك إشاعة خبر إصابة العميد ماهر الأسد ونقله الى مشفى الشامي وتطويق الحرس الجمهوري لهذا المشفى، ليظهر الرجل في تشييع القادة العسكريّين الثلاثة.

أمّا نائب الرئيس فاروق الشرع فهو هدف مستمرّ للإشاعات، وآخرها وجوده في القصر الملكي الأردني ليظهر أيضا في جنازة القادة الثلاثة ممثّلاً الرئيس السوري.

فهل هي مجرّد أخطاء إعلامية؟ أم أنّها أفخاخ يجيد النظام نصبها لخصومه؟ وهل هذه الأفخاخ محصورة في الإعلام؟ أم انّها ايضاً حاضرة في المعارك كما في السياسة؟
أسئلة يطرحها المراقبون، ويتوقّع أن تجيب عليها التطوّرات في قابل الايّام.  

السابق
موسكو لواشنطن: أعطونا البديل من الأسد
التالي
النظام السوري في ثاني خطاياه الاستراتيجية: الأسد الكيميائي