سلاح كيميائي في حوزة حزب الله؟

إسرائيل تصرّ على أن حزب الله هو من يقف وراء تفجير بلغاريا، وخلف محاولة فاشلة شبيهة في قبرص، وأنه يعدّ لمزيد من الهجمات الشبيهة ضد أهداف إسرائيلية داخل الأراضي المحتلة وخارجها. وتقول إنه يشغّل خلاياه بالتعاون مع الإيرانيين في أماكن كثيرة من العالم. وبناءً على ذلك، يخرج من يقدم معلومات عن استعدادات وتحضيرات في الشرق الأقصى، ومن يرسم معالم الخلايا النائمة للحزب في القارة الأميركية، فيما تنشط أجهزة استخبارات العالم لتوفير حماية مضاعفة للمشاركين في الألعاب الاولمبية في بريطانيا.

تتصرف إسرائيل على أساس أن حزب الله خصم قوي. هي أقرّت له بالكفاءة الاستخبارية والأمنية في حربها معه في لبنان وفلسطين. وهي تقرّ بأنه يعمل على امتلاك عنصر المفاجأة في كثير من الأحيان وفي كثير من الساحات والعناوين. وهي اضطرت منذ سنوات طويلة، وخصوصاً بعد نجاح وحداتها الخاصة في اغتيال الشهيد عماد مغنية، إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاحترازية تشمل شخصيات ومؤسسات ومنشآت في إسرائيل وخارجها. إسرائيل في هذا المكان، تعرف أنها ارتكبت جريمة كبرى، وتعرف مسبقاً أنها أمام خصم سوف يعاقبها على فعلتها. لكن الاستنزاف الأمني القائم تحول بحد ذاته إلى جزء من الرد، رغم أن قادة فيها صاروا يصرخون: لينتقم حزب الله ويخلصنا!

مشكلة إسرائيل مع حزب الله هذه الأيام لا تتوقف عند اتهامها له بالوقوف خلف هذه العمليات، بل هي في مرحلة حرجة، جرّاء الخشية المتعاظمة عند العدو من حصول تطور غير مسبوق على مستوى تسليح المقاومة في لبنان، ربطاً بالأزمة السورية. ورغم أن قادة العدو المعنيين يتصرفون على أساس أن كل ما تمتلكه سوريا هو على الأرجح في حوزة حزب الله أو تحت تصرفه، يفكّرون هذه الأيام، في أن الأمر يكاد يتحول إلى جعل القرار الخاص بكل سلاح استراتيجي موجود حصراً بيد حزب الله. وهم بهذا المعنى يعتقدون أن الأزمة السورية وانعكاساتها على الأزمة اللبنانية المستفحلة أصلاً، ربما أعفت حزب الله من حسابات خاصة، أو ربما حررته من بعض القيود، ما يجعله أكثر حرية في المبادرة، تسليحاً أو حتى تحريكاً للعمليات العسكرية. وإسرائيل هنا، كما معظم الغرب، ظلوا يعتقدون على الدوام بأن للنظام السوري حسنة في سياق كبح جماح المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وأنه كان عنواناً يقصد لأجل معالجة توترات تتعلق بهذه القوى. وفي وضعه الراهن، صار خارج السمع. وبالتالي، فإن الخطورة تجاوزت حدود امتلاك هذه القوى لهذه الأسلحة، إلى مرحلة قدرتها على تفعيلها وفق حسابات تخصها ربما وحدها.

ومشكلة العدو مع السلاح الكيميائي أو الجرثومي، ليست في أصل امتلاكه. تعرف هي كما يعرف كل العالم المتقدم، وكل العلماء، أن إنتاج أسلحة فتاكة من هذا النوع ليس بالأمر الصعب أو المعقّد، بل على العكس، فإن تطورات العلم خلال العقود الثلاثة الماضية تتيح لكثيرين الحصول على أسلحة من هذا الصنف وربما أكثر خطورة. وبالتالي فإن إسرائيل تعي حقيقة أن قدرات المقاومة اللبنانية تتيح لها الحصول على أسلحة من هذا النوع لو أرادت. لكن مشكلة إسرائيل هي في كون القدرات الصاروخية لدى سوريا أو لدى المقاومة في لبنان، أو حتى في فلسطين، تمكّنها من تحميل رؤوس تفجيرية لصواريخ بعيدة المدى، تكون محملة بهذه المواد الفتاكة. وبالتالي فإن من يقدر على إيصال رأس متفجر بوزن نصف طن إلى أي نقطة في إسرائيل، يعني أنه يقدر على جعل هذا الرأس محمّلاً ليس بمتفجرات عادية أو متطورة، بل بكميات من المواد الكيميائية أو الجرثومية.

تعرف إسرائيل، حتماً، أن بعض الأسلحة تبقى للامتلاك وليس للاستخدام. وبالتالي، فهي تعرف أن قيمة السلاح النووي لديها ليست في قدرتها على استعمال غير أكيد له، بل في كونها تقدر على التهديد به، وعلى رسم سقف لطموحات الخصوم في أي حرب يشنّونها ضدها. وبالتالي، فإن قلق إسرائيل الإضافي يكمن اليوم في أن ما سمّته طويلاً «السلاح الكاسر للتوازن» لم يعد يقتصر على صاروخ سكود أو شبيه مطوّر له، ولا على دفاعات جوية حديثة أو مطوّرة، ولا على صواريخ بمديات طويلة جداً وقدرات تفجيرات هائلة ودقة إصابة، بل في أن هذا العنوان بات مطاطاً بحيث لامس حدود ما لم يكن في بال أحد. فهل تقدر إسرائيل، مثلاً، على تحمّل فكرة أن خصماً لها بحجم حزب الله يملك القدرة على موازنة سلاحها النووي بسلاح مقابل لا يقل فتكاً عنه؟

كل ما سبق يندرج في الاستعدادات المستمرة للحرب المقبلة. وليس الحديث عن هذا الأمر بمثابة دعوة لقيامها الآن، رغم أن إسرائيل قلقة اليوم من ارتفاع مستوى الحافزية لدى أطراف الجبهة الشمالية للدخول في حرب كبرى، بل إن الحديث يتصل بضرورة أن يعي العدو، كما الآخرون، وخصوصاً خصوم المقاومة في كل المنطقة العربية، أن اعتقادهم بأن التخلص من النظام في سوريا سوف يعني حكماً التخلص من المقاومة، هو في حقيقة الأمر اعتقاد خاطئ إن لم يكن أكثر. وهذا ما يدعو إلى القلق أكثر من لجوء العدو ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركية إلى خلق مناخات فتنة جارفة في لبنان. فهي واثقة بأنها الطريقة الأسلم لهم للتخلص من عبء المقاومة. وهم الآن يتجاهلون أن المبادرة لم تعد محصورة في يد طرف واحد من أطراف اللعبة.  

السابق
هل اقترب الأسد من الرحيل؟
التالي
الافراج عن المخطوفين السوريين ليلا واستعدادات لترحيلهم الى سوريا