هل تقطع دول العرب علاقاتها مع روسيا؟

يثير موقف روسيا السلبي من ثورة غالبية الشعب السوري غضب غالبية الشعوب العربية المتعاطفة مع الثوار والداعية الى موقف دولي حاسم يساعدهم على الانتصار. فروسيا هذه استعملت حق النقض ثلاث مرات في مجلس الأمن منذ اندلاع الثورة، فحالت دون صدور قرارات حاسمة تنهي مأساتهم وتُريحهم من الظلم الذي "تعايشوا" معه عقوداً عدة. وجعلت الرئيس الاسد وأركانه يظنون أنهم "مدرّعون" وانه قادر على وأد الثورة أو على منعها من تحقيق أهدافها وذلك بادارة حال من الفوضى العسكرية والامنية في البلاد بواسطة جيشه المدعوم من موسكو وطهران. طبعاً دفع الغضب المذكور الشعوب العربية، استناداً الى متعاطي سياسة وإعلام، الى مطالبة دول العرب بالضغط على روسيا لاقناعها بتغيير موقفها. وذهب بعض هؤلاء بعيداً اذ دعا الى قطع العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية بل كل انواع العلاقات بروسيا. الا ان اياً من الدول العربية لم تستجب حتى الآن هذا النوع من الطلبات. ولا يعود ذلك الى "ارتياحها" للموقف الروسي الداعم للاسد ونظامه، هي التي تخوض ضده حرباً سافرة منذ 15 آذار 2011. بل يعود الى جملة اسباب، منها ان روسيا التي لم تعد دولة عظمى لا تزال دولة كبرى قوية عسكرياً واقتصادياً، ولا تزال تمتلك امكانات ضخمة، ولا يزال المجتمع الدولي بكل اطرافه في حاجة الى التعامل معها وسلماً بغية حل مشكلات ونزاعات اقليمية أو دولية عدة. ومنها ايضاً ان روسيا، ورغم ثورات الدول العربية ورغم المصالح الاقتصادية والاستراتيجية التي قد توفرها لها علاقات منحازة مع هذه الدول، ليست دولة فقيرة. واذا كانت شهدت تعثرات اقتصادية مهمة ايام كانت اتحاداً سوفياتياً او بعدما عادت روسيا، فإن سبب ذلك لم يكن قلة مواردها او فقرها. بل كان في المرحلة السوفياتية نظاماً آثر الديكتاتورية والانفاق على السلاح لمشاركة اميركا زعامة العالم بدون توفير الراحة الاقتصادية والمعيشية لشعوبه. وكان في المرحلة الثانية الانتقال الفوضوي الى اقتصاد السوق والى الحرية السياسية الامر الذي سمح للحيتان باستغلال المرافق والثورات والتحوّل في سرعة من اكبر اثرياء العالم. ومنها ثالثاً ان قرارات بحجم قطع العلاقات مع روسيا تحتاج الى تشاور، كي لا نقول الى إذن، من الدولة العظمى الحليفة لغالبية الدول العربية أي اميركا. وهذا أمر لا يبدو متوافراً اليوم. ولا أحد يعرف اذا كان سيتوافر. ومنها اخيراً ان العرب لم يقطعوا علاقاتهم مع اميركا رغم استعمالها "حق النقض" مرات ضد مشاريع قرارات تتعلق بقضية فلسطين التي كانوا يؤيدونها، بل رغم تبريراتها السافرة لاعتداءات اسرائيل على الفلسطينيين والعرب. فلماذا يقطعونها مع روسيا التي ناصرت قضيتهم عقوداً أو كيف يبررون ذلك امام شعوبهم؟
في أي حال، لا يعني ذلك ان دول العرب لن تفعل كل ما في وسعها لمساعدة ثوار سوريا على نظام الأسد. فالتطورات الكبيرة التي حصلت منذ اندلاع الثورة اظهرت في وضوح تأييداً عربياً شبه شامل لها. واظهرت أيضاً التزاما خليجياً قوياً لتقديم كل ما يلزم لمساعدة الثورة. واظهرت ثالثاً ان المملكة العربية السعودية المعروفة بتحفظها المزمن وبتحاشيها المواجهات المباشرة مع خصومها أو أعدائها، وبمحاولة رد خطرهم أو ابتزازهم بالتي هي أحسن (الفلوس مثلاً)، اظهرت ان هذه المملكة أخذت دور قيادة الجهد العربي بل الإسلامي المناصر للثورة سياسياً وتسليحاً وتدريباً وتمويلاً ودولياً بغية تمكينها من اسقاط الاسد ونظامه. ودافعها ليس الحرص على مصالح غالبية الشعب السوري وحقوقه وحرياته أو ليست الحرص على ذلك فحسب، بل هو مواجهة الخطر الذي تتعرض له وشقيقاتها الخليجية كما العالم العربي من ايران الاسلامية الشيعية التي نجحت في اختراق قلب العالم العربي، وباتت تهدد فعلاً في رأيها عروبته ومذهبيته ودوره. وقد لمس مَن يعرفون المملكة اصرارها والتزامها هذين عندما عيّن عاهلها الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأمير بندر بن سلطان رئيساً للاستخبارات العامة بعد أشهر قليلة من تسليمه رئاسة مجلس الأمن الوطني. وبندر، لمن لا يعرفون، وهم قلة، كان في السنوات الماضية قائد مدرسة التصدي لسوريا في لبنان على الاقل منذ عام 2005، وكان ولا يزال الأقرب الى الولايات المتحدة التي امضى فيها 22 سنة سفيراً لبلاده.

ملاحظة: سقط سهواً من "الموقف" يوم السبت الماضي ان تغيير المواقع يشمل أيضاً قيادة الجيش اذ تذهب الى الشيعة. وساعتها يصبح "تسليم السلاح" الى الدولة ممكناً.  

السابق
سفير دولة كبرى !؟
التالي
شكرا سوريا بطبعة ثانية وأخيرة