شكرا سوريا بطبعة ثانية وأخيرة

يدرك السيد حسن نصرالله أنّ وقفته في 8 آذار 2005 لشكر سوريا لم توقف عجلة التاريخ، إذ بعد أقلّ من شهرين خرجت من لبنان. وما ينطبق على الأمس ينسحب على اليوم، لجهة أن شكره الأخير لها في خطابه مساء الأربعاء الماضي لن يبدّل شيئا في مصير النظام الآيل إلى السقوط الحتمي وبأقل من شهرين.

بين آذار 2005 وتموز 2012، كلّ شيء تغيّر في المشهد السياسي إلّا "حزب الله". عندما قال السيد نصرالله "شكراً سوريا" ظنّ كثيرون أنّ عقربي الساعة سيعودان إلى الوراء، لكنّهما تسارعا أكثر ممّا كان يتخيّله اللبنانيون. وبين هاتين المحطتين لم يتصوّر أحد أنّ السيد سيقف الوقفة نفسها، ولو من دون جمهور، ليقول "شكراً سوريا" مرّة ثانية وأخيرة عشيّة رحيل النظام السوري.

وقد حاول السيد نصرالله في إطلالته الأخيرة إبراز وجه سوريا الممانع ودورها المساند في حرب تموز 2006، كاشفاً عن معلومات وتفاصيل يصعب نفيها أو تأكيدها، لكنّها في مطلق الأحوال لا تقدّم ولا تؤخّر في مسار الأزمة السورية وتندرج في سياق لغة قديمة انتهى مفعولها نظراً لانتمائها إلى مرحلة ما قبل الثورات العربية، وذلك لسببين على الأقل:

– لأنّ أولوية الشعوب العربية كما ظهرت بفعل الثورات هي وطنية متّصلة بالحرية والكرامة والديموقراطية وليس قومية كما حاولوا إيهام الرأي العام على مدى عقود من منطلق أنّ إسقاط "الأنظمة العميلة" سيؤدّي تلقائياً إلى إعادة فتح الجبهات مع إسرائيل بدليل الوقائع الممتدّة من تونس ومصر إلى ليبيا وسوريا، وبالتالي تسليط الضوء على دور النظام السوري الممانع لن يفرمل في اندفاعة الثوّار وتصميمهم على إسقاطه.

– لأنّ مؤازرة النظام السوري لـ"حزب الله" هي مسألة أقلّ من بديهية ضمن إطار محور الممانعة، ومحاولة تبييض صفحة هذا النظام لا تنطلي على أحد، خصوصاً أنّ لا الحزب ولا سوريا يدافعان عن لبنان بل عن مصالحهما وأهدافهما، وهما يتّخذان من المواجهة مع إسرائيل الذريعة لمدّ نفوذ المحور الممانع.

فالسيد نصرالله الذي حاذر الظهور بمظهر الداعم للنظام ضدّ المعارضة سعى إلى الدخول على هذا الخط من باب نعي القادة الأمنيين الذين سقطوا في انفجار مبنى جهاز الأمن القومي واعتبارهم رفاق سلاح وشهداء ربطاً بدورهم في حرب تموز ودعم المقاومة وليس من زاوية الصراع السوري الداخلي.

لكنّ هذا الفصل أو التمييز بين دور داخلي وآخر خارجي لا يستقيم لأنّ تمجيدهم وتعظيمهم يعني تغطية ارتكاباتهم وممارساتهم والتأكيد مجدّداً على الانحياز الأعمى إلى النظام من دون الأخذ في الاعتبار تداعيات هذا الموقف على بيئته في ظلّ متحوّل كبير سيعيد رسم معالم المنطقة من جديد.

وإن دلّت التجربة على شيء، فعلى أنّ "حزب الله" يلعب غالبا "صولد"، وهذا أمر مفهوم وطبيعي كونه يفقد مع سقوط الأسد عمقه الاستراتيجي، لكن شتّان بين أن يعلن وفاءه للنظام حتى اللحظة الأخيرة، وبين أن يستمرّ في اتّباع السياسة نفسها بعد سقوط الأسد، لأنّ اللعبة انتهت، والهلال الشيعي سقط، والمحور الممانع تفكّك، وقوّة "حزب الله" متأتية بشكل أساسي من الجسر الممتد من لبنان إلى إيران، وبالتالي بعد انهيار هذا الجسر سيصبح الحزب مطوّقاً بزنّار عربي وسنّي ولبناني، فضلاً عن إسرائيل، الأمر الذي سيجعله بحكم الساقط عسكريّاً والمنتهي الصلاحية سياسيّاً.

قد يحاول الحزب التعويض لبنانيّاً عن الخسارة السورية، لكن حتّى لو نجح سيبقى هذا الوضع مؤقتاً لأنّ لبنان يتأثر بالمعادلة المحيطة به وليس العكس، وبالتالي يُؤمل أن تشكّل "شكرا سوريا" مدخلاً إلى انخراطه في التسوية المحلية بدلاً من السير نحو المجهول.  

السابق
هل تقطع دول العرب علاقاتها مع روسيا؟
التالي
إجراءات مشددة