الحوار يحتاج إلى معجزة..!

ماذا عسى الرئيس ميشال سليمان أن يقول للبنانيين، حول عدم انعقاد جلسة الغد، وتعثر طاولة الحوار مرّة أخرى؟.
لم يراهن اللبنانيون، أصلاً، وفي مقدمتهم الرئيس سليمان، على نتائج الحوار، لإدراكهم أن مقومات النجاح في الوصول إلى توافق على بنود الحوار، وفي مقدمتها الاستراتيجية الدفاعية، ليست متوفرة في طروحات الأطراف اللبنانية، رغم نصائح الأشقاء والأصدقاء بالتوجه إلى طاولة رئيس الجمهورية، بهدف تخفيف حدّة التوتّر في الشارع السياسي، والعمل على تحصين الوضع الداخلي من ارتدادات الزلزال السوري.
ورغم أنها ليست المرة الأولى التي تتعطل فيها طاولة الحوار، بعد التعطيل القسري إبان حرب تموز، وما تلاها من انقسامات داخلية، والتعطيل الثاني بسبب مقاطعة قوى 8 آذار للضغط على إحالة ملف شهود الزور إلى المجلس العدلي، إلا أن التعثّر الحالي بسبب ربط فريق 14 آذار الحضور الى الحوار بتسليم الداتا كاملة إلى الأجهزة الامنية التي تحقق في محاولة اغتيال النائب بطرس حرب، يكشف من جديد حجم الهوة التي تفصل الأطراف السياسية، ليس بين موالاة ومعارضة وحسب، بل وأيضاً في تباعد الرؤى الاستراتيجية لواقع لبنان الحالي، ومستقبله على ضوء المتغيّرات المتلاحقة في المحيط العربي.

لا بدّ من الاعتراف، وبكثير من الحزن والألم، بأن عنصر الثقة ما زال مفقوداً بين القيادات السياسية اللبنانية، الأمر الذي تحوّل إلى ظاهرة سرطانية أخذت تتفشى وتتمدّد في مختلف أنحاء الجسم اللبناني، إلى حدّ التمكن من الوصول إلى القواعد الشعبية، وزرع بذور الشك والفتنة في الشارع.
غاب عنصر الثقة عن طاولة الحوار مع اندلاع حرب تموز 2006، التي باغتت الوطن الصغير، رغم كل التطمينات التي أعطيت على طاولة الحوار، حول صيف هادئ، وأجواء باردة على الحدود الجنوبية.
ومما زاد أزمة الثقة تفاقماً مبادرة «حزب الله» إلى مهاجمة شركائه في الحكومة، واتهامهم بالتآمر عليه خلال فترة الحرب، رغم كل ما بذلته حكومة السنيورة، وبالتعاون والتنسيق مع الرئيس برّي للتوصل إلى قرار لوقف النار ينسجم مع المطالب اللبنانية.
ثم جاءت مرحلة الاعتصامات في ساحات بيروت لتدشن نهجاً سرعان ما انتشر في مختلف المناطق اللبنانية، وأصبح يستخدمه الكبير والصغير كوسيلة ضغط لتحقيق مصالحه المشروعة وغير المشروعة…
إلى أن كانت واقعة بيروت في 7 أيار 2008، التي أسقطت كل قدسية عن المقاومة وسلاحها، وطرحت موضوع السلاح على مختلف الصعد المحلية والإقليمية، حيث حاول اتفاق الدوحة استيعاب المسألة عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية والعودة إلى طاولة الحوار للبحث في ملف سلاح «حزب الله» تحت عنوان «الاستراتيجية الدفاعية».

اهتزت الثقة مرّة أخرى، وبعنف داخلي وخارجي أكبر، عند وقوع «الانقلاب» على حكومة الوحدة الوطنية، واستقالة وزراء 8 آذار والتيار العوني من الحكومة خلافاً لاتفاق الدوحة الذي اشترط عدم الاستقالة مقابل إعطاء هذا الفريق الثلث المعطل في حكومة الحريري.
وأدت الضغوط التي مورست على الشارع أولاً، بظهور القمصان السود، وعلى الزعيم وليد جنبلاط ثانياً وثالثاً، إلى «خطف» الأكثرية إلى جانب 8 آذار، والمضي بالتحدي إلى حدّ تشكيل حكومة من لون واحد، لا تعبّر عن الوفاق الوطني، وذلك للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف، بل ولأول مرّة منذ استلام فريق 14 آذار السلطة عام 2005، حيث كان يحرص هذا الفريق دائماً على إشراك قوى 8 آذار في حكوماته.
مع تفاقم الأزمة في سوريا، والخوف من انتقال النيران السورية إلى الداخل اللبناني، بسبب الانقسامات السياسية والمذهبية العامودية السائدة في البلد، برزت دعوة الأشقاء والأصدقاء المشجعة للعودة إلى الحوار، ومحاولة التوافق على «الحد الأدنى الممكن» لحماية الاستقرار في لبنان.
لم تسبق العودة إلى الحوار أية خطوة على درب استعادة الثقة بين فريقي 8 و14 آذار. بقيت المقاطعة مستفحلة بين قطبي الصراع: تيّار المستقبل وحزب الله، استمرت السجالات السياسية على حدتها، وبقيت الخلافات الحزبية والفئوية على تأججها.
ومع ذلك، «غامرت» قوى 14 آذار بالذهاب إلى طاولة الحوار من جديد، فماذا كانت النتيجة؟.
 سحب مصطلح «الاستراتيجية الدفاعية» من التداول، واستبداله بشعار: الاستراتيجية التحريرية، الذي طرحه رئيس كتلة «حزب الله» النيابية النائب محمّد رعد مستبقاً موعد الجلسة التالية للحوار. حصول محاولة اغتيال النائب بطرس حرب في وضح النهار، ثم تمنّع فريق 8 آذار عن تسليم الأجهزة الأمنية كامل «الداتا» اللازمة لكشف ملابسات الحادث الذي يعتبر بالنسبة لكثيرين، بمثابة نذير لعودة مسلسل الاغتيالات التي حصدت نخبة من أعلام 14 آذار.

كان من المفترض أن تكون محاولة استهداف البرلماني العريق مناسبة لالتزام الجميع بنبذ العنف و استخدام السلاح، والتأكيد على نهج الحوار كوسيلة لمعالجة الخلافات السياسية مهما اشتدت وطأتها، والبدء بإعادة بناء الثقة بين الأطراف المعنية لتجنيب البلد المزيد من الهزّات.
وكان من المفترض أيضاً أن يُبادر «حزب الله»، بما له من قدرات أمنية وتنظيمية، أن يُساعد، أو على الأقل، أن يقدّم التسهيلات الممكنة للتحقيق الجاري في محاولة اغتيال حرب، نظراً لنفوذ الحزب في الحكومة ولدى الوزراء، لا سيما في ما يتعلق بالكشف عن «الداتا» بما فيها «الإمزي».
وكنا نتوقع، مع الكثير من الحريصين على لمّ الشمل ورأب الصدع في الجسم اللبناني، أن يطالب «حزب الله» بتشكيل لجنة نيابية تتابع تفاصيل التحقيق الأمني والقضائي الجاري بمحاولة اغتيال نائب من وزن بطرس حرب، وذلك قبل أن تحوم الشبهات حول أحد المنتسبين إليه.
أما وقد وصل التحقيق إلى هذه الشبهة بالذات، فنعتقد أن مبادرة الحزب أصبحت أكثر من ضرورة، أولاً لرد التهمة عن أحد أعضائه، وثانياً ليُثبت للجميع بأن الحزب لا يمنع، ولا يحول دون كشف ملابسات محاولة الاغتيال الفاشلة.

طاولة الحوار غداً معطلة. وسيبقى الحوار معطلاً طالما بقيت الثقة مفقودة بين الأطراف السياسية.
فهل ندعو لمعجزة في هذا الشهر الفضيل تُنقذ الحوار وتبدّل الوضع المتردي بأحسن حال؟!.  

السابق
تناول خبز الطحالب مثل ممارسة الرياضة
التالي
إضاءة أكبر فانوس رمضاني في النبطية