مقاومة على مين؟

يستسيغ "حزب الله" اقتباس التقارير الإسرائيلية التي تتحدّث عن الأخطاء والفشل في "حرب تمّوز". في المقابل، لا وجوب ولا وجود لتقارير من "حزب الله" تتحدّث عن أخطاء أو فشل.

كان "نصراً إلهيّاً"، ومن صفات الله الكمال. ورغم أنّ معنويات أنصار "حزب الله"، أعلى وأمتن من معنويات شعب الكيان الصهيوني، فهم لن يعرفوا أين أصاب الحزب وأين أخطأ.

الإسرائيليون، وهم أذكى الخبراء في عالم الاستخبارات، عندما يقتربون من "حزب الله" يصابون بالغباوة، فينشرون ويفضحون أخطاءهم، ويُعلنون أين أُصيبوا بالجبن وأين وقعوا في سوء التقدير. قد تبدو الصورة للمراقب من بعيد على الشكل الآتي: إسرائيل غير راضية على ما حقّقته، و"حزب الله" أقلّ ما يقال إنّه يعيش حال "نصر الهي".

لو مات عشرة آلاف مواطن ولو دُمّر كل الجنوب والبقاع وبقيت "ماكينة" الحزب وهيكلية "القيادة والسيطرة" فيه، فهذا يكفي لإعلان الانتصار. يخسر "حزب الله" فقط إذا زال "حزب الله" من الوجود. إنّه المنطق الشمولي في أدنى تجلياته لقيمة الإنسان.

هذا المنطق دفع النائب محمد رعد إلى إسقاط الحاجة إلى استراتيجية دفاعية. فجأة اكتشف "حزب الله" أنّنا ما زلنا في حال حرب ومقاومة مع إسرائيل، فكيف نبدأ الدفاع ونحن لم نُنهِ الهجوم؟ لو لم يستشهد سمير قصير لكان أعاد صوغ سؤال مقالته الشهيرة: "مقاومة على مين"؟

منذ ست سنوات، لم يُطلق "حزب الله" صاروخاً أو رصاصة على مزارع شبعا، ولم يقتل عسكريّاً إسرائيلياً محتلاً، ولم يتأخر في نفي مسؤوليّته عن صاروخ قطع الخط الأزرق، ولم يظهر "علناً" في منطقة عمليات القوات الدولية التي أبعدته عن الشريط الحدودي حتّى الحجارة توقّف رميها عند بوابة فاطمة.

نحن أمام نوع جديد من المقاومة، مقاومة لا تتطلّب طلقة رصاص منذ ستّ سنوات. ولا تتطلّب رأياً وطنياً كيف تدار، لا دفاعاً ولا هجوماً، ولا تتطلّب تنسيقاً في نقل آلاف الصواريخ من سوريا إلى لبنان.

إنّها مقاومة تكديس الأسلحة وإعداد المفاجآت للعدو. وهي أيضاً مقاومة، وهذا الأهم، متّصلة بمضيق هرمز والملف النووي الإيراني، وبدعم نظام آل الأسد، وبحرب تاريخية مع اليهود تعود إلى فجر الإسلام، وبحرب مع أميركا تعود إلى فجر القرن العشرين. والأهم الأهم ما قاله قبل أيّام السيد حسن نصرالله: يجب سحب قضية فلسطين من أيدي العرب.

إنّها إذاً مقاومة ضدّ العرب وضدّ إسرائيل. ربما المقاومة تُمهل اليوم إسرائيل، لكنّها لن تُهمل تحرير النقب وحيفا ويافا وتل أبيب عندما تقرّر عودة عملياتها في مزارع شبعا! ربّما المقاومة تصبر في لبنان على شيء اسمه 14 آذار، لكنّ صبرها لا يُقارن بصراعها مع ملوك الخليج وأمرائه وأنظمة الربيع العربي الطرية العود.

إنّها مقاومة أفقها البحرين وبلاد ما بين النهرين، وهناك من يُلهيها بقطع الطريق بين نهرين اسمهما: الموت والكلب! يا لهما من اسمين يريد الأعداء استعمالهما للتشويش والحشر.

إنّها مقاومة "ردع إمكان احتمال" هجوم إسرائيلي على جرود كسروان جبيل والضنّيه، على اعتبار أنّ هزيمة تمّوز علّمت الإسرائيلي استحالة غزوه مجدّداً في مارون الراس.

إنّها مقاومة ومسلّحة بالصواريخ ضدّ المعارضة اللبنانية وضدّ المعارضة السورية. وضدّ عودة الأكثرية إلى صفوف حركة 14 آذار، وضدّ عودة الأكثرية السنية إلى حكم سوريا. نحن وسوريا إخوان إلّا إذا حكم "الإخوان". إنّها مقاومة "إسرائيليي" الداخل قبل الخارج.

إنّها مقاومة تحبّ الانتصار بالنقاط لا بالضربات القاضية. لهذا السبب ربّما هي صابرة على إسرائيل، مثلما تصبر على بعض اللبنانيين.

بين 7 أيّار وانقلاب القمصان السود، مسافة زمنية كادت تنسينا أسماء متّهمين من "المقاومة" بقتل رفيق الحريري. إنّها مقاومة الحركة الاقتصادية في وسط العاصمة بالاعتصام والترهيب، ومقاومة العمل الحكومي بالانسحاب الشيعي التام. وكان ما كان ممّا لست أذكره عن "شهود زور" طيّروا حكومة سعد الحريري. إنّها مقاومة ضدّ الذاكرة.

إنّها مقاومة مشغولة بأمور كثيرة. السيد حسن نصرالله يحذّر من الفتنة الآتية على شكل إشاعة عن لعبة في الضاحية تنال من السيدة عائشة.

سها باله عن زجاجات الويسكي والفودكا التي تطايرت من الرابية قبل ساعات من خطبته. يُؤخذ على العرب أنّهم أعلنوا الانتصار على إسرائيل في حرب الـ67، لكن على الأقلّ عادوا واعترفوا بالنكسة بعدها. ربّما لأنّهم اعترفوا بوقائع الزمن استطاعوا التعويض في حرب الـ73.

عندما يطل السيد حسن نصرالله، نحن لا نعرف مكانه لكن أحياناً نعرف أنّه أخطأ الزمان.  

السابق
لحوم الساسة.. حلال
التالي
هل بات احتمال حرب اسرائيلية على لبنان وسوريا جدياً؟