لاستنقاذ سوريا من وهم التقسيم

قاد النظام سوريا إلى كارثة.
اختار الحل العسكري في مواجهة شعبه فاستولد نقيضه. خسر نخبة المجتمع المدني وشتّت قواه واصطدم بالمجتمع الأهلي فأخرج أحشاءه وموروثاته. دمّر الأحياء والمدن والاقتصاد وهدّد وحدة الجيش ونشر الحذر والخوف والحقد والعداء بين فئات الشعب الواحد. تسبّب النظام بالقضاء على منجزات سوريا الحديثة.
بعد سنة ونصف من الأزمة تحولت سوريا إلى ساحة لكل الصراعات الداخلية والإقليمية والدولية. استدرج التدخل الخارجي تحت ذريعة مقاومته. وهو الآن يضع البلاد رهينة هذه المصالح الخارجية وتلاعبها بالكيان والدولة.
اختار النظام ما لم يكن مجبراً عليه. اختار التصادم مع شعبه وهو مطمئن للحماية الدولية، ولا يزال يغلق أبواب الحل السياسي الداخلي حتى لو كانت تستنقذ جزءاً من هيبته وجزءاً من قواه وجزءاً مما بقي لسوريا من مناعة على الفوضى. إذا كان لهذا النظام من دور في كرامة سوريا وفي قوتها فهو من اختار أن يلغيه وأن يمحوه من الوجدان والذاكرة. يقبل النظام اليوم فكرة الحوار الوطني والحل الروسي معترفاً بوجود طرف داخلي آخر ما زال يصفه بأبشع النعوت والأوصاف. فهل صار الحوار ممكناً مع «العصابات الإرهابية المسلحة» بعد أن كان مستحيلاً مع المعارضة الشعبية السلمية.!؟ وهل صارت الحلول ممكنة مع «قوى التطرف والإرهاب وعملاء الخارج» ومشاركتها في السلطة استنقاذاً لنظام كانت لديه كل فرص التجدّد والتغيير لمجرد التضحية بجزء من أجنحته أو ببعض مراكز القوى والنفوذ أو ببعض المصالح المعبّرة عن التطرف في الفساد والإفساد واستغلال النفوذ ومهانة كرامة الناس؟
أياً كانت طبيعة القوى التي يمثلها النظام من بين مكوّنات الشعب وحجمها، فلا زالت مهمة إنقاذ سوريا من فوضى أشد وأدهى تستحق المحاولة. فلقد دخلت سوريا في دوامة الحرب الأهلية من غير تخصيص أو استبعاد للصراع الطائفي والمذهبي، وكان النظام الطرف الأصلي الساعي في استدعاء مثل هذا المصير. بل لعله اليوم يخاطر باختبار وهم أكثر مأساوية وتدميراً بأن يلجأ إلى لعبة التقسيم، يشجعه على ذلك هذا التوازن الدولي وهذه الغيرة المفرطة من أصدقائه في المحيط والعالم.
في واقع الأمر خرجت دمشق من خارطة سلطته بعملين نوعيين: من استهداف أركان إدارته لهذه الحرب الظالمة وامتداد العصيان المسلح إلى جميع أحيائها. كما سقطت خارطة بعض الجبهات التي قيل إنها ترسم حدود ذلك المشروع الكامن في خلفية كل حكم متجبر مذعور من أصول أقلوية أو أكثرية.
لا تحتاج سوريا إلى حرب خارجية أو إلى تدخل عسكري خارجي إلا إذا سهّل النظام ذلك باللعب على وتر أسلحته الكيماوية والصاروخية. فإذا كان لهذا النظام أو لهذا الفريق الحاكم والممسك بمقاليد السلطة الباقية على جزء من سوريا من أصدقاء فعليين فعليهم نصحه بوقف خيار «الممانعة» المشؤوم الذي صار الوجه الآخر للعبث بكل مقوّمات سوريا الدولة والشعب.
فعلى أصدقاء سوريا النظام، وقد أعطي فرصة إضافية خارجية في مجلس الأمن وجرعة من المنشطات، أن يمارسوا فعل الصداقة دفعاً لمزيد من الآلام والمآسي واستنقاذاً لما بقي من عناصر في دور سوريا، وأن يفرضوا، وهم في موقع التأثير، حلاً سياسياً وطنياً يقوم على تسوية تاريخية تستبعد بالضرورة كل المسؤولين عن حمام الدم وسياسة التدمير الذاتي. ربما كانت الفرصة اليوم لإنقاذ الوحدة السورية من التمزق الشامل وذلك قبل السعي لإنقاذ النظام.
  

السابق
ميقاتي: البديل عن الحوار هو الاحتكام إلى الشارع
التالي
هذا هو سرُّ لبنان