.. في المعادلة المستحيلة

يخال لكثيرين يا إخوان، أنّ إسرائيل فعلاً تمرّ في أحلى أيامها وليس العكس. إذ للمرّة الأولى في تاريخها، تنمو في العقل العربي معادلة مستحيلة: المقاومة الموجّهة (مبدئياً) ضدّها، تقول للسوريين، إنّ المجازر النازلة بهم هي جزء من فاتورة مقاومتها!
.. ولا يهم في عُرف المقاوِمين، أنّ تلك المجازر حطّمت منذ زمن، كل "الأرقام" التي حقّقتها إسرائيل في نزاعها مع العرب والمسلمين! كما لا يهم التراكم الذي تبنيه الممارسات الإجرامية في الوجدان العربي العام، والأخطر من ذلك، في الوعي السياسي الناشف المنزّه عن هيجان المشاعر، لمعنى وضع النزاع مع إسرائيل في خانة متأخرة وبعيدة عن النزاع مع طغاة مجلّين في طغيانهم.
والمعضلة أخلاقية عدا عن كونها سياسية فكرية.. يقارن أهل المقاومة بين نظام بشار الأسد وغيره من الأنظمة العربية. بين ما "قدّمه" الأوّل وما حجبته الثانية. وبين ما "ضحّى" من أجله الأول وما امتنع عنه الآخرون. وفي ظنّهم أنّ المقارنة هنا لصالح الأسد. وفي ذلك تماماً قمّة اللامعقول والعجب: نظام يدمّر الحياة في بلده. يحطّم دنياها. يطحن مفاهيم وقيم وكرامات ولا يترك شيئاً إلاّ وينتهكه من محرّمات.. بالنار وبالحديد وبالإجرام وبالقتل وبالسحل وبالحرق وبالتهجير وبالاغتصاب وبالسلب وبالنهب وبالاستبداد وبالوحشية وممارسات الهمج. بكل ذلك وبما أمرّ منه لو وُجد، ومع هذا تُضرب له التحيّة باعتباره داعماً كبيراً للمقاومة وسدّاً منيعاً في وجه أعدائها! مع التذكير "بتفصيل" بسيط مفاده أنّه لم تُسجَّل لذلك النظام الممانع والمقاوِم أن أطلق رصاصة واحدة على إسرائيل منذ أكثر من ثلاثة عقود!

لن يُقال ما هو التأثير المباشر لمعنى ذلك الكلام على الضحايا السوريين أولاً وعلى عموم العرب والمسلمين ثانياً.. سبق أن سمع ويسمع وسيسمع باعث الرسالة أجوبة مريرة عليها وعلى الهواء مباشرة. غير أنّ المفعول لا ينتهي هنا ولن ينتهي: الخطورة الآتية أكبر. حيث تتراكم في محفّزات الوعي وتلابيبه معادلة أمرّ من معادلة "المقاومة = المجازر"! هي معادلة: المشروع السلطوي المذهبي الباحث عن مراكز نفوذ أينما أمكن وبأي ثمن = المقاومة الداعمة لأنظمة الطغيان والطغاة!!

.. إلاّ إذا افترض أصحاب المقاومة والممانعة أنّ دماء العرب السوريين وأعراضهم وأغراضهم وممتلكاتهم وأرزاقهم وكراماتهم لا تساوي أكثر من دماء الطرشان والأضاحي. وأصحابها ليسوا بشراً إنّما قطعان من الماعز الفالت في الوعر!
نعم! صحيح القول إنّ إسرائيل في أحلى أيّامها: العرب السوريون يُذبحون والمقاومة تحيي الجلاّد وتدين الضحية!
  

السابق
المكتبة العامة البريطانية على شبكة الانترنت
التالي
الجنوبيون في فصل الصيف أين يذهبون؟